المستعين بالله : أبو الفضل العباس بن المتوكل أمه أم ولد تركية اسمها باي خاتون
بويع بالخلافة بعهد من أبيه في رجب سنة ثمان و ثمانمائة و السلطان يومئذ الملك الناصر فرج فلما خرج الناصر لقتال شيخ المحمودي فلما انكسر و هزم و قتل بويع الخليفة بالسلطنة مضافة للخلافة و ذلك في المحرم سنة خمس عشرة و لم يفعل ذلك إلا بعد شدة و تصميم و توثق من الأمراء بالأيمان و عاد إلى مصر و الأمراء في خدمته و تصرف بالولاية و العزل و ضربت السكة باسمه و لم يغير لقبه
و عمل شيخ الإسلام ابن حجر في قصيدته المشهورة و هي هذه :
( الملك فينا ثابت الأساس ... بالمستعين العادل العباسي )
( رجعت مكانه آل عم المصطفى ... لمحلها من بعد طول تناس )
( ثاني ربيع الآخر الميمون في ... يوم الثلاثا حف بالأعراس )
( بقدوم مهدي الأنام أمينهم ... مأمون غيب طاهر الأنفاس )
( ذو البيت طاف به الرجال فهل يرى ... من قاصد متردد في الياس )
( فرع نما من هاشم في روضه ... زاكي المنابت طيب الأغراس )
( بالمرتضى و المجتبى و المشتري ... للحمد و الحالي به و الكاسي )
( من أسرة أسروا الخطوب و طهروا ... مما يغيرهم من الأدناس )
( أسد إذا حضروا الوغى و إذا خلوا ... كانوا بمجلسهم كظبي كناس )
( مثل الكواكب نوره ما بينهم ... كالبدر أشرق في دجى الأغلاس )
( و بكفه عند العلامة آية ... قلم يضيء إضاءة المقباس )
( فلبشره للوافدين مباسم ... تدعى و للإجلال بالعباس )
( فالحمد لله المعز لدينه ... من بعد ما قد كان في إبلاس )
( بالسادة الأمراء أركان العلى ... من بين مدرك ثأره و مواس )
( نهضوا بأعباء المناقب و ارتقوا ... في منصب العليا الأشم الراسي )
( تركوا العدى صرعى بمعترك الردى ... فالله يحرسهم من الوسواس )
( و إمامهم بجلاله متقدم ... تقديم [ بسم الله ] في القرطاس )
( لولا نظام الملك في تدبيره ... لم يستقم في الملك حال الناس )
( كم من أمير قبله خطب العلى ... و بجهده رجعته بالإفلاس )
( حتى إذا جاء المعالي كفؤها ... خضعت له من بعد فرط شماس )
( طاعت له أيدي الملوك و أذعنت ... من نيل مصر أصابع المقياس )
( فهو الذي قد رد عنا البؤس في ... دهر به لولاه كل الباس )
( و أزال ظلما عم كل معمم ... من سائر الأنواع و الأجناس )
( بالخاذل المدعو ضد فعاله ... بالناصر المتناقض الآساس )
( كم نعمة لله كانت عنده ... فكأنها في غربة و تناس )
( ما زال سر الشر بين ضلوعه ... كالنار أو صحبته للأرماس )
( كم سن سيئة عليه أثامها ... حتى القيامة ما له من آس )
( مكرا بنى أركانه لكنها ... للغدر قد بنيت بغير أساس )
( كل امرىء ينسى و يذكره تارة ... لكنه للشر ليس بناس )
( أملى له رب الورى حتى إذا ... أخذوه لم يفلته مر الكاس )
( و أدالنا منه المليك بمالك ... أيامه صدرت بغير قياس )
( فاستبشرت أم القرى و الأرض من ... شرق و غرب كالعذيب و فاس )
( آيات مجد لا يحاول جحدها ... في الناس غير الجاهل الخناس )
( و مناقب العباس لم تجمع سوى ... لحفيده ملك الورى العباس )
( لا تنكروا للمستعين رئاسة ... في الملك من بعد الجحود الناسي )
( فبنوا أمية قد أتى من بعدهم ... في سالف الدنيا بنو العباس )
( و أتى أشج بني أمية ناشرا ... للعدل من بعد المبير الخاسي )
( مولاي عبدك قد أتى لك راجيا ... منك القبول فلا يرى من باس )
( لو لا المهابة طولت أمداحه ... لكنها جاءته بالقسطاس )
( فأدام رب الناس عزك دائما ... بالحق محروسا برب الناس )
( و بقيت تستمع المديح لخادم ... لولاك كان من الهموم يقاسي )
( عبد صفا ودا و زمزم حاديا ... و سعى على العينين قبل الراس )
( أمداحه في آل بيت محمد ... بين الورى مسكية الأنفاس )
و لما وصل المستعين إلى مصر سكن القلعة و سكن شيخ الاصطبل و فوض إليه المستعين تدبير المملكة بالديار المصرية و لقب [ نظام الملك ] فكانت الأمراء إذا فرغوا من الخدمة بالقصر نزلوا في خدمة الشيخ إلى الاصطبل فأعيدت الخدمة عنده و يقع عنده الإبرام و النقض ثم يتوجه داوداره إلى المستعين فيعلم على المناشير و التواقيع ثم أنه تقدم إليه بأن لا يمكن الخليفة من كتابة العلامة إلا بعد عرضها عليه فاستوحش الخليفة و ضاق صدره و كثر قلقه
فلما كان في شعبان سأل شيخ الخليفة أن يفوض إليه السلطنة على العادة فأجاب بشط أن ينزل من القلعة إلى بيته فلم يوافقه شيخ على ذلك و تغلب على السلطنة و تلقب ب [ المؤيد ] و صرح بخلع المستعين
و بايع بالخلافة أخاه داود و نقل المستعين من القصر إلى دار من دور القلعة و معه أهله و وكل به من يمنعه الاجتماع بالناس فبلغ ذلك نوروز نائب الشام فجمع القضاة و العلماء و استفتاهم عما صنعه المؤيد من خلع الخليفة و حصره فأفتوا بأن ذلك لا يجوز فأجمع على قتال المؤيد فخرج إليه المؤيد في سنة سبع عشرة و ثمانمائة و سير المستعين إلى الاسكندرية فاعتقل بها إلى أن تولى ططر فأطلقه و أذن له في المجيء إلى القاهرة فاختار سكنى الإسكندرية لأنه استطابها و حصل له مال كثير من التجارة فاستمر إلى أن مات بها شهيدا بالطاعون في جمادى الآخرة سنة ثلاث و ثلاثين
و من الحوادث الغريبة في أيامه : في سنة اثنتي عشرة كثر النيل في أول يوم من مسرى و بلغت الزيادة اثنتين و عشرين ذراعا
و في سنة أربع عشرة أرسل غياث الدين أعظم شاه بن إسكندر شاه ملك الهند يطلب التقليد من الخليفة و أرسل إليه مالا و للسلطان هدية
و ممن مات في خلافته من الأعلام : الموفق الناشري شاعر اليمن و نصر الله البغدادي عالم الحنابلة و الشمس المعيد نحوي مكة و الشهاب الحسباني و الشهاب الناشري فقيه اليمن و ابن الهائم صاحب الفرائض و الحساب و ابن العفيف شاعر اليمن و المحب ابن الشحنة عالم الحنفية والد قاضي العسكر |