الهادي : أبو محمد موسى بن المهدي بن المنصور و أمه أم ولد بربرية اسمها الخيزران ولد بالري سنة سبع و أربعين و مائة و بويع بالخلافة بعد أبيه بعهد منه
قال الخطيب : و لم يل الخلافة قبله أحد في سنة فأقام فيها سنة و أشهرا و كان أبوه أوصاه يقتل الزنادقة فجد في أمرهم و قتل منهم خلقا كثيرا و كان يسمى موسى أطبق لأن شفته العليا كانت تقلص فكان أبوه وكل به في صغره خادما كلما رآه مفتوح الفم قال : موسى أطبق فيفيق على نفسه و يضم شفتيه فشهر بذلك
قال الذهبي : و كان يتناول المسكر و يلعب و يركب حمارا فارها و لا يقيم أبهة الخلافة و كان مع ذلك فصيحا قادرا على الكلام أديبا تعلوه هيبة و له سطوة و شهامة
و قال غيره : كان جبارا و هو أول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف المرهفة و الأعمدة و القسي الموترة فاتبعه عماله به في ذلك و كثر السلاح في عصره
مات في ربيع الأخر سنة سبعين و مائة و اختلف في سبب موته فقيل : إنه دفع نديما له من جرف على أصول قصب قد قطع فتعلق النديم به فوقع فدخلت قصبة في منخره فماتا جميعا و قيل : أصابته قرحة في جوفه و قيل : سمته أمه خيزران لما عزم على قتل الرشيد ليعهد إلى ولده و قيل : كانت أمه حاكمة مستبدة بالأمور الكبار و كانت المواكب تغدو إلى بابها فزجرهم عن ذلك و كلهما بكلام وقح و قال : لئن وقف ببابك أمير لأضربن عنقه ! أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو سبحة ؟ فقامت ما تعقل من الغضب فقيل : إنه بعث إليها بطعام مسموم فأطعمت منه كلبا فانتثر فعملت على قتله لما وعك بأن غموا وجهه ببساط جلسوا على جوانبه و خلف سبعة بنين
و من شعر الهادي في أخيه هارون لما امتنع من خلع نفسه :
( نصحت لهارون فرد نصحتي ... و كل امرئ لا يقبل النصح نادم )
( و أدعوه للأمر المؤلف بيننا ... فيبعد عنه و هو في ذاك ظالم )
( و لولا انتظاري منه يوما إلى غد ... لعاد إلى ما قلته و هو راغم )
و من أخبار الهادي : أخرج الخطيب عن الفضل قال : غضب الهادي على رجل فكلم فيه فرضي فذهب يعتذر فقال له الهادي : إن الرضا قد كفاك مؤنة الاعتذار
و أخرج عن عبد الله بن مصعب قال : دخل مروان بن أبي حفصة على الهادي فأنشده مديحا له حتى إذا بلغ قوله :
( تشابه يوما بأسه و نواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل )
فقال له الهادي : أيما أحب إليك ثلاثون ألف معجلة أو مائة ألف تدور في الديوان ؟ قال : تعجل الثلاثون ألفا و تدور المائة ألفا قال : بل تعجلان لك جميعا فحمل له ذلك
و قال الصولي : لا تعرف امرأة ولدت خليفتين إلا الخيزران أم الهادي و الرشيد و ولادة بنت العباس العبسية زوج عبد الملك بن مروان ولدت الوليد و سليمان و شاهفرند بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى ولدت للوليد بن عبد الملك يزيد الناقص و إبراهيم و وليا الخلافة قلت : يزاد على ذلك باي خاتون سرية المتوكل الأخير ولدت العباس و حمزة و وليا لاخلافة و كزل سريته أيضا ولدت داود و سليمان و ولياها
ثم قال الصولي : لا يعرف خليفة ركب البريد إلا الهادي من جرجان إلى بغداد
قال : و كان نقش خاتمه [ الله ثقة موسى وبه يؤمن ]
قال الصولي : و لسلم الخاسر في الهادي بمدحه :
( موسى المطر ... غيث بكر )
( ثم انهمر ... ألوى المرر )
( كم اعتسر ... و كم قدر )
( ثم غفر ... عدل السير )
( باقي الأثر ... خير و شر )
( نفع و ضر ... خير البشر )
( فرع مضر ... بدر بدر )
( لمن نظر ... هو الوزر )
( لمن حضر و المف ... تخر لمن غبر )
قال : و هذا على جزء جزء مستفعلن مستفعلن و هو أول من عمله و لم نسمع من قبله شعرا على جزء جزء
و أسند الصولي عن سعيد بن سلم قال : إني لأرجو أن يغفر الله للهادي بشيء رأيته منه : حضرته يوما و أبو الخطاب السعدي ينشده قصيدة في مدحه إلى أن قال :
( يا خير من عقدت كفاه حجزته ... و خير من قلدته أمرها مضر )
فقال له الهادي : إلا من ويلك ؟ قال سعيد : و لم يكن استثنى في شعره فقلت : يا أمير المؤمنين إنما يعني من أهل هذا الزمان ففكر الشاعر فقال :
( إلا النبي رسول الله ... إن له فضلا و أنت بذالك الفضل تفتخر )
فقال : الآن أصبت و أحسنت و أمر له بخمسين ألف درهم
و قال المدائني : عزى الهادي رجلا في ابن له فقال : سرك و هو فتنة و بلية و يحزنك و هو ثواب و رحمة
و قال الصولي : قال سلم الخاسر في الهادي جامعا بين العزاء و الهناء :
( لقد قام موسى بالخلافة و الهدى ... و مات أمير المؤمنين محمد )
( فمات الذي غم البرية فقده ... و قام الذي يكفيك من يتفقد )
و قال مروان بن أبي حفصة كذلك :
( لقد أصبحت تختال في كل بلدة ... بقبر أمير المؤمنين المقابر )
( و لو لم تسكن بابنه بعد موته ... لما برحت تبكي عليه المنابر )
( و لو لم يقم موسى عليها لرجعت ... حنينا كم حن الصفايا العشائر )
حديث من رواية الهادي
قال الصولي : حدثني محمد بن زكريا هو الغلابي حدثني محمد بن عبد الرحمن المكي حدثنا قسورة بن السكن الفهري حدثنا المطلب بن عكاشة المري قال : قدمنا على الهادي شهودا على رجل شتم قريشا و تخطى إلى ذكر النبي صلى الله عليه و سلم فجلس لنا مجلسا أحضر فيه فقهاء زمانه و أحضر الرجل فشهدنا عليه فتغير وجه الهادي ثم نكس رأسه ثم رفعه فقال : سمعت أبي المهدي يحدث عن أبيه المنصور عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه عبد الله بن عباس قال : من أراد هوان قريش أهانه الله و أنت يا عدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيت إلى ذكر النبي صلى الله عليه و سلم اضربوا عنقه أخرجه الخطيب من طريق الصولي و الحديث هكذا في هذه الرواية موقوف و قد ورد مرفوعا من وجه آخر
مات في أيام الهادي من الأعلام : نافع قارئ أهل المدينة و غيره |