السفاح : أول خلفاء بني العباس أبو العباس بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم
ولد سنة ثمان و مائة ـ و قيل : سنة أربع ـ بالحميمة من ناحية البلقاء و نشأ بها و بويع بالكوفة و أمه ريطة الحارثية
حدث عن أخيه إبراهيم بن محمد الإمام
و روى عنه عمه عيسى بن علي و كان أصغر من أخيه المنصور
أخرج أحمد في مسنده [ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان و ظهور من الفتن يقال له السفاح فيكون إعطاؤه المال حثيا ]
و قال عبيد الله العيشي : قال أبي سمعت الأشياخ يقولون : و الله لقد أفضت الخلافة إلى بني العباس و ما في الأرض أحد أكثر قارئا للقرآن و لا أفضل عابدا و لا ناسكا منهم
قال ابن جرير الطبري : كان بدء أمر بني العباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم العباس عمه أن الخلافة تؤول إلى ولده فلم يزل ولده يتوقعون ذلك
و عن رشدين بن كريب أن أبا هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنيفة خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال : يا ابن عم إن عندي علما أريد أن أنبذه إليك فلا تطلعن عليه أحدا إن هذا الأمر الذي ترتجيه الناس فيكم قال : قد علمته فلا يسمعنه منك أحد
و روى المدائني عن جماعة أن الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال : لنا ثلاثة أوقات : موت يزيد بن معاوية و رأس المائة و فتق بإفريقية فعند ذلك تدعو لنا دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية و نقضت البربر بعث محمد الإمام رجلا إلى خراسان و أمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه و سلم و لا يسمي أحدا ثم وجه أبا مسلم الخراساني و غيره و كتب إلى النقباء فقبلوا كتبه ثم لم ينشب أن مات محمد فعهد إلى ابنه إبراهيم فبلغ خبره مروان فسجنه ثم قتله فعهد إلى أخيه عبد الله و هو السفاح فاجتمع إليه شيعتهم و بويع بالخلافة بالكوفة في ثالث ربيع الأول سنة اثنتين و ثلاثين و مائة و صلى بالناس الجمعة و قال في الخطبة : الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه فكرمه و شرفه و عظمه و اختاره لنا و أيده بنا و جعلنا أهله و كهفه و حصنه و القوام به و الذابين عنه ثم ذكر قرابتهم في آيات القرآن إلى أن قال : فلما قبض الله نبيه قام بالأمر أصحابه إلى أن وثب بنو حرب و مروان فجاروا و استأثروا فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه فانتقم منهم بأيدينا ورد علينا حقنا ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض و ختم بنا كما افتتح بنا و ما توفيقنا أهل البيت إلا بالله يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا و منزل مودتنا لم تفتروا عن ذلك و لم يثنكم عنه تحامل أهل الجور فأنتم أسعد الناس بنا و أكرمهم علينا و قد زدت في أعطياتكم مائة مائة فاستعدوا فأنا السفاح المبيح و الثائر المبير
و كان عيسى بن علي إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة يقول : إن أربعة عشر رجلا خرجوا من دارهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة هممهم شديدة قلوبهم
و لما بلغ مروان مبايعة السفاح خرج لقتاله فانكسر كما تقدم ثم قتل و قتل في مبايعة السفاح من بني أمية و جندهم ما لا يحصى من الخلائق و توطدت له الممالك إلى أقصى المغرب
قال الذهبي : بدولته تفرقت الجماعة و خرج عن الطاعة ما بين تاهرت و طبنة إلى بلاد السودان و جميع مملكة الأندلس و خرج بهذه البلاد من تغلب عليها و استمر ذلك
مات السفاح بالجدري في ذي الحجة سنة ستة و ثلاثين و مائة و كان قد عهد إلى أخيه أبي جعفر و كان في سنة أربع و ثلاثين قد انتقل إلى الأنبار و صيرها دار الخلافة
و من أخبار السفاح : قال الصولي : من كلامه : إذا عظمت القدرة قلت الشهوة و قل تبرع إلا معه حق مضاع
و قال : إن من أدنياء الناس و وضعائهم من عد البخل حزما و الحلم ذلا
و قال : إذا كان الحلم مفسدة كان العفو معجزة و الصبر حسن إلا على ما أوقع الدين و أوهن السلطان و الأناة محمودة إلا عند إمكان الفرصة
قال الصولي : و كان السفاح أسخى الناس ما وعد عدة فأخرها عن وقتها و لا قام من مجلسه حتى يقضيها
و قال له عبد الله بن حسن مرة : سمعت بألف درهم و ما رأيتها قط فأمره بها فأحضرت و أمر بحملها معه إلى منزله
قال : و كان نقش خاتمه [ الله ثقة عبد الله و به يؤمن ] و قل ما يروى له من الشعر
و قال سعيد بن مسلم الباهلي : دخل عبد الله بن حسن على السفاح مرة و المجلس غاص ببني هاشم و الشيعة و وجوه الناس و معه مصحف فقال : يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف قال له : إن عليا جدك كان خيرا مني و أعدل ولي هذا الأمر أفأعطى جديك الحسن و الحسين ـ و كانا خيرا منك ـ شيئا ؟ و كان الواجب أن أعطيك مثله فإن كنت فعلت فقد أنصفتك و إن كنت زدتك فما هذا جزائي منك فانصرف و لم يحر جوابا و عجب الناس من جواب السفاح
قال المؤرخون : في دواة بني العباس افترقت كلمة الإسلام و سقط اسم العرب من الديوان وأدخل الأتراك في الديوان و استولت الديلم ثم الأتراك و صارت لهم دولة عظيمة و انقسمت ممالك الأرض عدة أقسام و صار بكل قطر قائم يأخذ الناس بالعسف و يملكهم بالقهر
قالوا : و كان السفاح سريعا إلى سفك الدماء فأتبعه في ذلك عماله بالمشرق و المغرب و كان مع ذلك جوادا بالمال
مات في أيامه من الأعلام : زيد بن أسلم و عبد الله بن أبي بكر بن حزم و ربيعة الرأي فقيه أهل المدينة و عبد الملك بن عمير و يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي و عبد الحميد الكاتب المشهور قتل ببوصير مع مروان و منصور بن المعتمر و همام بن منبه |