المستعين بالله : أبو العباس أحمد بن المعتصم بن الرشيد و هو أخو المتوكل ولد سنة إحدى و عشرين و مائتين و أمه أم ولد اسمها مخارق و كان مليحا أبيض بوجهه أثر جدري ألثغ و لما مات المنتصر اجتمع القواد و تشاوروا و قالوا : متى وليتم أحدا من أولاد المتوكل لا يبقى منا باقية فقالوا : مالها إلا أحمد بن المعتصم ولد أستاذنا فبايعوه و له ثمان و عشرون سنة و استمر إلى أول سنة إحدى و خمسين فتنكر له الأتراك لما قتل وصيفا و بغا و نفى باغر التركي الذي فتك بالمتوكل و لم يكن للمستعين مع وصيف و بغا أمر حتى قيل في ذلك :
( خليفة في قفص ... بين وصيف و بغا )
( يقول ما قالا له ... كما تقول الببغا )
و لما تنكر له الأتراك خاف و انحدر من سامرا إلى بغداد فأرسلوا إليه يعتذرون و يخضعون له و يسألونه الرجوع فامتنع فقصدوا الحبس و أخرجوا المعتز بالله و بايعوه و خلعوا المستعين ثم جهز المعتز جيشا كثيفا لمحاربة المستعين و استعد أهل بغداد للقتال مع المستعين فوقعت بينهما وقعات و دام القتال أشهرا و كثر القتل و غلت الأسعار و عظم البلاء و انحل أمر المستعين فسعوا في الصلح على خلع المستعين و قام في ذلك إسماعيل القاضي و غيره بشروط مؤكدة فخلع المستعين نفسه في أول سنة اثنتين و خمسين و أشهد عليه القضاة و غيرهم فأحدر إلى واسط فأقام بها تسعة أشهر محبوسا موكلا به أمين ثم رد إلى سامراء و أرسل المعتز إلى أحمد بن طولون أن يذهب إلى المستعين فيقتله فقال : و الله لا أقتل أولاد الخلفاء فندب له سعيد الحاجب فذبحه في ثالث شوال من السنة و له إحدى و ثلاثون سنة و كان خيرا فاضلا بليغا أديبا و هو أول من أحدث لبس الأكمام الواسعة فجعل عرضها نحو ثلاثة أشبار و صغر القلانس و كانت قبله طوالا
مات في أيامه من الأعلام : عبد بن حميد و أبو الطاهر بن السرح و الحارث بن مسكين و البزي المقرئ و أبو حاتم السجستاني و الجاحظ و آخرون |