المتوكل على الله : أبو عبد الله بن محمد بن المعتضد والد خلفاء العصر
ولي الخلافة بعهد من أبيه بعد موته في جمادى الأولى سنة ثلاث و ستين و سبعمائة و امتدت أيامه خمسا و أربعين سنة بما تخللها من خلع و حبس كما سنذكره و أعقب أولادا كثيرة يقال : إنه جاء له مائة ولد ما بين مولود و سقط و مات عن عدة ذكور و إناث و ولي الخلافة منهم خمسة و لا نظير لذلك : المستعين العباس و المعتضد داود و المستكفي سليمان و القائم حمزة و المستنجد يوسف و بقي من أولاده الآن واحد يسمى موسى ما أشبهه بإبراهيم بن المستكفي و الموجود الآن من العباسيين كلهم من ذرية المتوكل هذا أكثر الله عددهم و زاد مددهم و من الحوادث في أيامه : في سنة أربع و ستين خلع المنصور محمد و ولي شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون و لقب الأشرف
و في سنة ثلاث و سبعين أحدثت العلامة الخضراء على عمائم الشرفاء ليتميزوا بها بأمر السلطان و هذا أول ما أحدث
و قال في ذلك أبو عبد الله بن جابر الأعمى النحوي صاحب شرح الألفية المشهور بالأعمى و البصير :
( جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر )
( نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر )
و في هذه السنة كان ابتداء خروج الطاغية تمرلنك الذي أخرب البلاد و أباد العباد و استمر يعثو في الأرض بالفساد إلى أن هلك إلى لعنة الله في سنة ثلاث و سبعين و ثمانمائة ؟ و فيه قيل شعر :
( لقد فعلوا فعل التتار و لو رأوا ... فعال تمرلنك إذ كان أعظما )
( و طائره في جلق كان أشأما )
و كان أصله من أبناء الفلاحين و نشأ يسرق و يقطع الطريق ثم انضم إلى خدمة صاحب السلطان ثم قرر مكانه بعد موته و ما زال يترقى إلى أن وصل إلى ما وصل قيل لبعضهم : في أي سنة كان ابتداء خروج تمرلنك ؟ فال : في سنة عذاب ـ يعني بحساب الجمل ثلاثا و سبعين و سبعمائة
و في سنة خمس و سبعين ابتدئت قراءة البخاري في رمضان بالقلعة بحضرة السلطان و رتب الخافظ زين الدين العراقي قارئا ثم أشرك معه الشهاب العرياني يوما بيوم و في سنة سبع و سبعين غلا البيض بدمشق فبيعت الواحدة بثلاثة دراهم من حساب ستين بدينار
و في سنة ثمان و سبعين قتل الأشرف شعبان و تسلطن ابنه علي و لقب المنصور و ذلك أن الأشرف سافر إلى الحج و معه الخليفة و القضاة و الأمراء فخامر عليه الأمراء و فر راجعا إلى القاهرة و رجع الخليفة و من رجع و أرادوا أن يسلطنوا الخليفة فامتنع فسلطنوا ابن الأشرف و اختفى الأشرف إلى أن ظفروا به فخنقوه في ذي العقدة
و فيها خسف الشمس و القمر جميعا و طلع القمر خاسفا في شعبان ليلة أربع عشرة وكسفت الشمس يوم الثامن و العشرين منه
و في سنة تسع و سبعين في رابع ربيع الأول طاب أيبك البدري أتابك العساكر زكرياء بن إبراهيم بن المستمسك الخليفة الحاكم فخلع عليه و استقر خليفة بغير مبايعة و لا اجماع و لقب [ المستعصم بالله ] و رسم بخروج المتوكل إلى قوص لأمور حقدها عليه وقعت منه قتل الأشرف فخرج و عاد من الغد إلى بيته ثم عاد إلى الخلافة في العشرين من الشهر و عزل المستعصم فكانت مدة خلافته خمسة عشر يوما
و المتوكل هو سادس الخلفاء الذين سكنوا مصر و أقيموا بعد انقطاع الخلافة مدة فحصل له هذا الخلع توفية بالقاعدة
و في سنة اثنتين و ثمانين ورد كتاب من حلب يتضمن أن إماما قام يصلي و أن شخصا عبث به في صلاته فلم يقطع الإمام الصلاة حتى فرغ و حين سلم انقلب وجه العابث وجه خنزير و هرب إلى غابة هناك فعجب الناس من هذا الأمر و كتب بذلك محضر
و في صفر سنة ثلاث و ثمانين مات المنصور و تسلطن أخوه حاجي بن الأشرف و لقب [ الصالح ]
و في رمضان سنة أربع و ثمانين خلع الصالح و تسلطن برقوق و لقب [ الظاهر ] و هو أول من تسلطن من الجراكسة
و في رجب سنة خمس و ثمانين قبض برقوق على الخليفة المتوكل و خلعه و حبسه بقلعة الجبل و بويع بالخلافة محمد بن إبراهيم بن المستمسك بن الحاكم و لقب [ الواثق بالله ] فاستمر في الخلافة إلى أن مات يوم الأربعاء سابع عشري شوال سنة ثمان و ثمانين فكلم الناس برقوقا في إعادة المتوكل إلى الخلافة فلم يقبل و أحضر أخا محمد زكرياء الذي كان ولي تلك الأيام اليسيرة فبايعه و لقب [ المستعصم بالله ] و استمر إلى سنة إحدى و تسعين فندم برقوق على ما فعل بالمتوكل و أخرج المتوكل من الحبس و أعاده إلى الخلافة و خلع زكرياء و استمر زكرياء بداره إلى أن مات مخلوعا و استمر المتوكل في الخلافة إلى أن مات
و في جمادى الآخرة من السنة أعيد الصالح حاجي إلى السلطنة و غير لقبه المنصور و حبس برقوق بالكرك
و في هذه السنة في شعبان أحدث المؤذنون عقب الأذان الصلاة و التسليم على النبي صلى الله عليه و سلم و هذا أول ما أحدث و كان الآمر به المحتسب نجم الدين الطنبذي
و في صفر سنة اثنتين و تسعين أخرج برقوق من الحبس و عاد إلى مكة فاستمر إلى أن مات في شوال سنة إحدى و ثمانمائة فأقيم مكانه في السلطنة ابنه فرج و لقب [ الناصر ] فاستمر إلى سادس ربيع الأول سنة ثمان و ثمانمائة فخلع من الملك و أقيم أخوه عبد العزيز و لقب [ المنصور ] ثم خلع في رابع جمادى الآخرة من السنة و أعيد الناصر فرج
و في السنة مات الخليفة المتوكل ليلة الثلاثاء ثامن عشري رجب سنة ثمان و ثمانمائة
و ممن مات في أيام المتوكل من الأعلام : الشمس ابن مفلح عالم الحنابلة و الصلاح الصفدي و الشهاب ابن النقيب و المحب ناظر الجيش و الشريف الحسيني الحافظ و القطب التختاني و قاضي القضاة عز الدين بن جماعة و التاج ابن السبكي و أخوه الشيخ بهاء الدين و الجمال الأسنوي و ابن الصائغ الحنفي و الجمال ابن نباتة و العفيف اليافعي و الجمال الشريشي و الشرف ابن قاضي الجبل و السراج الهندي و ابن أبي حجلة و الحافظ تقي الدين بن رافع و الحافظ عماد الدين بن كثير و العتابي النحوي و البهاء أبو البقاء السبكي و الشمس بن خطيب يبرود و العماد الحسباني و البدر بن حبيب و الضياء القرمي و الشهاب الأذرعي و الشيخ أكمل الدين و الشيخ سعد الدين التفتازاني و البدر الزركشي و السراج ابن الماقن و السراج البلقيني و الحافظ زين الدين العراقي |