بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وبه القوة الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين وسلم تسليما
في قنوت الأشياء لله عز وجل وإسلامها وسجودها له وتسبحها له
فإن هذه الأربعة قد ذكرها الله تعالى في القرآن قال تعالى وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون سورة البقرة 116 117 وقال تعالى في سورة الروم وله من في السموات والأرض كل له قانتون وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه سورة الروم 26 27
وأما الإسلام فقال تعالى أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون سورة آل عمران 83
وأما السجود فقال تعالى ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال سورة الرعد 15 وقال أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون سورة النحل 48 49 وقال تعالى ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب سورة الحج 18
وأما التسبيح فقال تعالى تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا سورة الإسراء 44 وقال تعالى سبح لله ما في السموات وما في الأرض سورة الصف 1 سورة الحشر 1 في موضعين و سبح لله ما في السموات والأرض سورة الحديد 1 و يسبح لله ما في السموات وما في الأرض سورة الجمعة 1 سورة التغابن 1 في موضعين فخمس سور افتتحت بذكر تسبح ما في السموات وما في الأرض له وقال ألم تر أن الله يسبح له من فى السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه سورة النور 41
فأما قوله تعالى وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه سورة البقرة 116 فهو نظير قوله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من السموات والأرض إلا آت الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا سورة مريم 88 95 وقد قال تعالى قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون سورة يونس 68
وقال تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون إلى قوله وهم من خشيته مشفقون سورة الأنبياء 26 29
والقنوت في اللغة دوام الطاعة والمصلى إذا طال قيامه أو ركوعه أو سجوده فهو قانت في ذلك كله قال تعالى أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه سورة الزمر 9 فجعله قانتا في حال السجود والقيام
وفي الحديث الصحيح سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل فقال طول القنوت ولم يرد به طول القيام فقط بل طول القيام والركوع والسجود كما كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت معتدلة إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود
وقال تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا سورة النحل 120 وقال تعالى فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حظف الله سورة النساء 34 وقال تعالى عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات سورة التحريم 5 وقال تعالى إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات سورة الأحزاب 35 وسمى إطالة القيام في الصلاة قنوتا لأنه يطيل فيه الطاعة ولو صلى قاعدا لقنت وهو قاعد وكذلك إذا صلى على جنب قنت وهو على جنب والقيام قبل الركوع يسمى أيضا قنوتا
قال ابن قتيبة لا أرى أصل القنوت إلا الطاعة لأن جميع الخلال من الصلاة والقيام فيها والدعاء وغير ذلك يكون عنها
وقال أبو الفرج قال الزجاج القنوت هو في اللغة بمعنيين أحدهما القيام والثاني الطاعة والمشهور في اللغة والإستعمال أن القنوت الدعاء في القيام فالقانت القائم بأمر الله ويجوز أن يقع في جميع الطاعات لأنه وإن لم يكن قياما على الرجلين فهو قيام بالنية
قلت هذا ضعيف لا يعرف في اللغة أن مجرد القيام يسمى قنوتا والرجل يقوم ماشيا وقائما في أمور ولا يسمى قانتا وهو في الصلاة يسمى قانتا لكونه مطيعا عابدا ولو قنت قاعدا ونائما سمي قانتا وقوله تعالى وقوموا لله قانتين سورة البقرة 238 يدل على أنه ليس هو القيام وإنما هو صفة في القيام يكون بها القائم قانتا وهذه الصفة تكون في السجود أيضا كما قال أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما
فقول القائل إن المشهور في اللغة أنه الدعاء في القيام إنما اخذه من كون هذا المعنى شاع في اصطلاح الفقهاء إذا تكلموا في القنوت والصلاة وهذا عرف خاص ومع هذا فالفقهاء يذكرون القنوت سواء صلى قائما أو قاعدا أو مضطجعا لكن لما كان الفرض ليس يصح أن يصليه إلا قائما وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم صار القنوت في القيام أكثر وأشهر وإلا فلفظ القنوت في القرآن واللغة ليس مشهورا في هذا المعنى بل ولا أريد به هذا المعنى ولا هو أيضا مشتركا بل اللفظ بمعنى الطاعة أو الطاعة الدائمة ولهذا يفسره المفسرون بذلك
وقد روى في ذلك حديث مرفوع رواه ابن أبي حاتم من النسخة المصرية التي يروى منها الترمذي وغيره من حديث ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة
وفي تفسير ابن أبي طلحة عن ابن عباس فالصالحات قانتات سورة النساء 34 مطيعات
قال ابن أبي حاتم وروى عن مجاهد وعكرمة وأبي مالك وعطاء وقتادة السدي مثل ذلك
وروى عن مقاتل بن حيان قال مطيعات لله ولأزواجهن في المعروف
وروى عن سعيد بن جبير في قوله والقانتين والقانتات قال يعني المطيعين والمطيعات
قال وروى عن قتادة والسدي وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم مثل ذلك وروى بإسناده عن أبي العالية في قوله يا مريم اقنتي لربك سورة آل عمران 43 قال اركدي لربك وعن الأوزاعي قال ركدت في محرابها قائمة وراكعة وساجدة حتى نزل ماء الأصفر في قدميها
وعن الحسن أنه سئل عن قوله اقنتي لربك واسجدي قال يقول اعبدي لربك
وعن ليث عن مجاهد قال كانت تقوم حتى تتورم قدماها
وقوله تعالى أمن هو قانت آناء الليل قال ابن أبي حاتم تقدم تفسير القانت في غير موضع القانت الذي يطيع الله ورسوله
وروى عن أحمد بن سنان عن عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله بن مسعود قال القانت الذي يطيع الله ورسوله
فهذا تفسير السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم لألفاظ القنوت في القرآن |