قصص الانبياء - ابن كثير - الخضر و إلياس عليهما السلام
 
الخضر و إلياس عليهما السلام

ذكر قصتي الخضر والياس عليهما السلام أما الخضر: فقد تقدم أن موسى عليه السلام رحل إليه في طلب ما عنده من العلم [ اللدنى (1) ]، وقص الله [ من (1) ] خبرهما في كتابه العزيز في
سورة الكهف، وذكرنا في تفسير ذلك هنالك، وأوردنا هنا ذكر الحديث المصرح بذكر الخضر عليه السلام، وأن الذي رحل إليه هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل عليه السلام، الذي أنزلت عليه التوراة.
وقد اختلف في الخضر، في اسمه، ونسبه، ونبوته، وحياته إلى الآن - على أقوال - سأذكرها لك هاهنا إن شاء الله وبحوله وقوته.
قال الحافظ ابن عساكر: يقال إنه الخضر بن آدم عليه السلام لصلبه، ثم روى من طريق الدار قطني: حدثنا محمد بن الفتح القلانسي، حدثنا العباس بن عبد الله الرومي، حدثنا رواد بن الجراح، حدثنا مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الخضر ابن آدم لصلبه، ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال.
وهذا منقطع وغريب.
وقال أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني: سمعت مشيختنا منهم أبو عبيدة وغيره قالوا: إن أطول بني آدم عمرا الخضر، واسمه خضرون بن قابيل بن آدم.
قال: وذكر ابن إسحق: أن آدم [ عليه السلام (1) ] لما حضرته الوفاة
__________
(1) ليست في ا (*)

أخبر بنيه أن الطوفان سيقع بالناس، وأوصاهم إذا كان ذلك أن يحملوا جسده معهم في السفينة، وأن يدفنوه [ معهم (1) ] في مكان عينه لهم.
فلما كان الطوفان حملوه معهم، فلما هبطوا إلى الارض أمر نوح بنيه أن يذهبوا ببدنه فيدفنوه حيث أوصى.
فقالوا إن الارض ليس بها أنيس وعليها وحشة، فحرضهم وحثهم على ذلك.
وقال إن آدم دعا لمن يلى دفنه بطول العمر،
فهابوا المسير إلى ذلك الموضع في ذلك الوقت، فلم يزل جسده عندهم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه، وأنجز الله ما وعده، فهو يحيا إلى ما شاء الله له أن يحيا.
وذكر ابن قتيبة في المعارف عن وهب بن منبه: أن اسم الخضر " بليا " ويقال بليا بن ملكان ابن فالغ بن عامر ؟ ؟ بن شالخ بن أرفخشد ابن سام بن نوح عليه السلام.
وقال إسماعيل بن أبي أويس: اسم الخضر - فيما بلغنا والله أعلم - المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الازد.
وقال غيره: هو خضرون (2) ابن عمياييل بن اليفز بن العيص بن إسحق بن إبراهيم الخليل.
ويقال هو أرميا بن حلقيا، فالله أعلم.
وقيل إنه كان ابن فرعون صاحب موسى ملك مصر.
وهذا غريب جدا.
قال ابن الجوزى: رواه محمد ابن أيوب عن ابن لهيعة، وهما ضعيفان.
وقيل: إنه ابن مالك وهو أخو إلياس، قاله السدى كما سيأتي.
وقيل
__________
(1) من ا.
(2) ا: خضروان.
(*)

إنه كان على مقدمة ذي القرنين.
وقيل كان ابن بعض من آمن بإبراهيم الخليل وهاجر معه.
وقيل كان نبيا في زمن بشتاسب بن بهراسب.
قال ابن جرير: والصحيح أنه كان متقدما في زمن أفريدون بن اثفيان حتى أدركه موسى عليه السلام.
وروى الحافظ ابن عساكر عن سعيد بن المسيب أنه قال: الخضر أمه رومية وأبوه فارسي.
[ وقد ورد ما يدل على أنه كان من بني إسرائيل في زمان فرعون أيضا.
قال أبو زرعة في دلائل النبوة: حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي، حدثنا الوليد، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبى بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ليلة أسرى به وجد رائحة طيبة، فقال: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة ؟ قال هذه ريح قبر الماشطة وابنيها وزوجها.
وقال: وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشرف بني إسرائيل، وكان ممره براهب في صومعته، فتطلع عليه الراهب فعلمه الاسلام فلما بلغ الخضر زوجه أبوه امرأة فعلمها الاسلام، وأخذ عليها أن لا تعلم أحد، وكان لا يقرب النساء ثم طلقها.
ثم زوجه أبوه بأخرى فعلمها الاسلام، وأخذ عليها أن لا تعلم أحدا ثم طلقها، فكتمت إحداهما وافشت عليه الاخرى.
فانطلق هاربا حتى أتى جزيرة في البحر، فأقبل رجلان يحتطبان فرأياه فكتم أحدهما وأفشى عليه الآخر.
قال قد رأيت الخضر (1)، قيل ومن رآه معك ؟ قال فلان، فسئل فكتم.
وكان من دينهم أنه من كذب قتل، فقتل،
__________
(1) الاصل: العز.
(*)

وكان قد تزوج الكاتم المرأة الكاتمة.
قال فبينما هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت تعس فرعون، فأخبرت أباها، وكان للمرأة ابنان وزوج، فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما، فأبيا، فقال: إني قاتلكما، فقالا: إحسان منك إلينا إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد.
فجعلهما في قبر واحد، فقال: وما وجدت ريحا اطيب منهما، وقد دخلت الجنة.
وقد تقدمت قصة مائلة بنت فرعون، وهذا المشط في أمر الخضر قد
يكون مدرجا من كلام أبي بن كعب أو عبد الله بن عباس والله أعلم ] (1) وقال بعضهم: كنيته أبو العباس، والاشبه والله أعلم.
أن الخضر لقب غلب عليه.
قال البخاري [ رحمه الله ] (1): حدثنا محمد بن سعيد الاصبهاني، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما سمى الخضر لانه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء ".
تفرد به البخاري، وكذلك رواه عبد الرزاق عن معمر به.
ثم قال عبد الرزاق: الفروة: الحشيش الابيض وما أشبهه يعني الهشيم اليابس.
وقال الخطابي: وقال أبو عمر: الفروة الارض البيضاء التي لا نبات فيها.
وقال غيره: هو الهشيم اليابس شبهه بالفروة، ومنه قيل فروة الرأس وهي جلدته بما عليها من الشعر، كما قال الراعي:
__________
(1) سقطت من ا.
(*)

ولقد (1) ترى الحبشى حول بيوتنا * جذلا إذا ما نال يوما مأ كلا صعلا (2) أصك كأن فروة رأسه * بذرت فأنبت جانباه فلفلا قال الخطابي: [ ويقال (3) ] إنما سمى الخضر خضرا لحسنه وإشراق وجهه، قلت: وهذا لا ينافى ما ثبت في الصحيح (4)، فإن كان ولا بد من التعليل بأحدهما، فما ثبت في الصحيح أولى وأقوى، بل لا يلتفت إلى ما عداه.
وقد روى الحافظ ابن عساكر هذا الحديث أيضا من طريق إسماعيل بن حفص بن عمر الابلى: حدثنا عثمان وأبو جزي وهمام بن يحيى عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن ابن عباس عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " إنما سمى الخضر خضرا لانه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء ".
وهذا غريب من هذا الوجه.
وقال قبيصة عن الثوري عن منصور عن مجاهد قال: إنما سمى الخضر لانه كان إذا صلى اخضر ما حوله.
وتقدم أن موسى ويوشع عليهما السلام لما رجعا يقصان الاثر، وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر، وهو مسجى بثوب قد جعل طرفاه من تحت رأسه وقدميه، فسلم موسى (3) عليه السلام فكشف عن وجهه فرد، وقال: أني بأرضك السلام ؟ من أنت ؟ قال أنا موسى.
قال:
__________
(1) المطبوعة: وقد.
(2) ا الصعل: الدقيق الرأس والعنق.
والاصك المضطرب الركبتين والعرقوبين.
وفي المطبوعة: جعدا أصك.
وما أثبته من ا (3) من ا (4) ا: في الحديث (*)

[ نبي (1) ] بني إسرائيل ؟ قال نعم.
فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه عنهما.
وقد دل سياق القصة على نبوته من وجوه: أحدها: قوله تعالى: " فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ".
الثاني: قول موسى له: " هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا * قال إنك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا * قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا * قال فإن اتبعتنى فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا ".
فلو كان وليا وليس بنبي (2) لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد
على موسى هذا الرد، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذي اختصه الله به دونه.
فلو كان غير نبي، لم يكن معصوما، ولم تكن لموسى - وهو نبي عظيم ورسول كريم واجب العصمة - كبير رغبة ولا عظيم طلبة في علم ولي غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه والتفتيش عنه، ولو أنه يمضي حقبا من الزمان، قيل ثمانين سنة.
ثم لما اجتمع به تواضع له وعظمه، واتبعه في صورة مستفيد منه فدل (3) على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خص من العلوم اللدنية والاسرار النبوية بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم، نبي بني إسرائيل الكريم.
وقد احتج بهذا المسلك بعينه الرماني (3) على نبوة الخضر عليه السلام.
__________
(1) من ا.
(2) ا: ولم يكن بنبي.
(3) ا: دل.
(4) ا: البلقاني.
(*)

الثالث: أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام، وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام.
وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته، لان الولي لا يجوز له الاقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده، لان خاطره ليس بواجب العصمة، إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق.
ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذي لم يبلغ الحلم، علما منه بأنه إذا بلغ يكفر، ويحمل أبويه على الكفر لشدة محبتها له فيتابعانه عليه، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته، صيانة لابويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته، دل ذلك على نبوته، وأنه مؤيد من الله بعصمته.
وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه.
وحكى الاحتجاج عليه الرماني أيضا.
الرابع: أنه لما فسر الخضر تأويل الافاعيل لموسى ووضح له عن حقيقة أمره وجلي، قال بعد ذلك كله: " رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى " يعني ما فعلته من تلقاء نفسي، بل [ أمر (1) ] أمرت به وأوحى إلي فيه.
فدلت هذه الوجوه على نبوته.
ولا ينافي ذلك حصول ولايته، بل ولا رسالته، كما قاله آخرون.
وأما كونه ملكا من الملائكة [ فقول (1) ] غريب جدا، وإذا ثبتت نبوته - كما ذكرناه، لم يبق لمن قال بولايته
__________
(1) من: ا (*)

وأن الولى قد يطلع على حقيقة الامور دون أرباب الشرع الظاهر، مستند يستندون إليه، ولا معتمد يعتمدون عليه.
وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم، قيل لانه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة، وقيل لانه شرب من عين الحياة فحيى.
وذكروا أخبارا استشهدوا بها على بقائه إلى الآن.
وسنوردها [ مع غيرها (1) ] إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
وهذه وصيته لموسى حين: " قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا " روى في ذلك آثار منقطعة كثيرة: قال البيهقي: أنيأنا أبو سعيد بن أبي عمرو، حدثنا أبو عبد الله الصفار، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير،
حدثني أبو عبد الله الملطى قال: لما أراد موسى أن يفارق الخضر قال له موسى: أوصني، قال: كن نفاعا ولا تكن ضرارا، كن بشاشا ولا تكن غضبان، ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة.
وفي رواية من طريق أخرى زيادة: ولا تضحك إلا من عجب.
وقال وهب بن منبه قال الخضر: يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها ! وقال بشر بن الحارث الحافى: قال موسى للخضر: أوصني، فقال: يسر الله عليك طاعته.
__________
(1) من ا (*)

وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه ابن عساكر من طريق زكرياء ابن يحيى الوقاد - إلا أنه من الكذابين الكبار - قال قرئ على عبد الله بن وهب وأنا أسمع، قال الثوري، قال مجالد، قال أبو الوداك قال أبو سعيد الخدري، قال عمر بن الخطاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال أخي موسى يا رب وذكر كلمته - فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح حسن بياض الثياب مشمرها، فقال: السلام عليك ورحمة الله يا موسى ابن عمران، إن ربك يقرأ عليك السلام.
قال موسى: هو السلام وإليه السلام، والحمد لله رب العالمين، الذي لا أحصى نعمه، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته.
ثم قال موسى: أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك، فقال الخضر: يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك،
واعزف عن (1) الدنيا وانبذها وراءك، فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغة للعباد والنزود منها ليوم المعاد (2) ورض نفسك على الصبر تخلص من الاثم.
يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده، [ فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكن مكثارا للعلم مهذارا (3) ] فإن كثرة المنطق تشين العلماء وتبدى مساوئ السخفاء.
ولكن عليك بالافتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد
__________
(1) المطبوعة: واغرف من الدنيا !.
وهو تحريف (2) ا: للمعاد (3) سقطت من ا (*)

وأعرض عن الجهال وماطلهم، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء وزين العلماء.
وإذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلما، وجانبه حزما، فإن ما بقى من جهله عليك وسبه إياك أكثر وأعظم.
يابن عمران ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا، فإن الاندلاث (1) والتعسف من الاقتحام والتكلف.
يابن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابا لا تدرى ما فتحه.
يابن عمران من لا تنتهى من الدنيا نهمته، ولا تنقضي منها رغبته ومن يحقر حاله، ويتهم الله فيما قضى له كيف يكون زاهدا (2) ؟ هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه ؟ أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه ؟ لان سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه.
يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره، ولغيرك نوره.
يا موسى بن عمران، اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات فإنك مصيب (3)
السيئات، وزعزع بالخوف قلبك فإن ذلك يرضى ربك، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل سوءا، قد وعظت إن حفظت.
قال: فتولى الخضر وبقي موسى محزونا مكروبا يبكى.
لا يصح هذا الحديث، وأظنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقاد المصرى [ وقد (4) ] كذبه غير واحد [ من الائمة (2) ] والعجب أن الحافظ ابن عساكر سكت عنه.
__________
(1) الاندلاث: الانصباب.
(2) ا: عابدا (3) ا: تصيب (4) ليست في ا (*)

وقال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني: حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصى، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندى، حدثنا بقية بن الوليد، عن محمد ابن زياد، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ لاصحابه (1) ] " ألا أحدثكم عن الخضر ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: بينما هو ذات يوم يمشى في سوق بني إسرائيل، أبصره رجل مكاتب، فقال تصدق علي بارك الله فيك.
فقال الخضر: آمنت بالله، ما شاء الله من أمر يكون، ما عندي من شئ أعطيكه.
فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت علي، فإني نظرت إلى السماء في وجهك، ورجوت البركة عندك.
فقال الخضر: آمنت بالله ما عندي شئ أعطيكه، إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين: وهل يستقيم هذا ؟ قال نعم، الحق أقول لك لقد سألتني بأمر عظيم، أما إني لا أخيبك بوجه ربي، بعنى.
قال فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عندي المشتري
زمانا لا يستعمله في شئ، فقال له: إنك [ إنما (2) ] ابتعتنى التماس خير فأوصني بعمل، قال: أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف قال: ليس تشق علي، قال: فانقل هذه الحجارة.
وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم.
فخرج الرجل لبعض حاجاته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة، فقال أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه.
ثم عرض للرجل سفر، فقال إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة
__________
(1) ليست في ا (2) من ا.
(*)

قال فأوصني بعمل، قال: إني (1) أكره أن أشق عليك، قال ليس تشق علي، قال فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك.
فمضى الرجل لسفره، فرجع وقد شيد بناؤه.
فقال أسألك بوجه الله ما سبيلك (2) وما أمرك ؟ فقال سألتني بوجه الله، والسؤال بوجه الله أوقعني في العبودية، سأخبرك من أنا ؟.
أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي من شئ أعطيه، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي، فباعني.
وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر، وقف يوم القيامة جلده لا لحم له ولا عظم يتقعقع.
فقال الرجل: آمنت بالله، شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم ! فقال (3) لا باس أحسنت وأبقيت.
فقال الرجل بأبي وأمي يا نبي الله، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخيرك فأخلي سبيلك، فقال أحب أن تخلى سبيلي، فأعبد ربي، فخلى سبيله.
فقال الخضر: الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها.
وهذا حديث رفعه خطأ، والاشبه أن يكون موقوفا، وفي رجاله من لا يعرف، فالله أعلم.
وقد رواه ابن الجوزى في كتابه " عجالة المنتظر في شرح حال الخضر " من طريق عبد الوهاب ابن الضحاك، وهو متروك، عن بقية.
__________
(1) ط: فإني (2) ا: ما سببك (3) ا: قال (*) (15 - قصص الانبياء 2)

وقد روى الحافظ ابن عساكر بإسناد إلى السدى: أن الخضر وإلياس كانا أخوين، وكان أبوهما ملكا، فقال إلياس لابيه: إن أخي الخضر لا رغبة له في الملك، فلو أنك زوجته لعله يجئ منه ولد يكون الملك له، فزوجه أبوه بامرأة حسناء بكر، فقال لها الخضر: إنه لا حاجة لي في النساء، فإن شئت أطلقت سراحك، وإن شئت أقمت معي تعبدين الله عزوجل وتكتمين علي سري.
فقالت نعم، وأقامت معه سنة.
فلما مضت السنة دعاها الملك، فقال إنك شابة وابني شاب فأين الولد ؟ فقالت: إنما الولد من عند الله، إن شاء كان وإن لم يشأ لم يكن.
فأمره أبوه فطلقها وزوجه بأخرى ثيبا قد ولد لها، فلما زفت إليه قال لها كما قال للتي قبلها، فأجابت إلى الاقامة عنده.
فلما مضت السنة سألها الملك عن الولد، فقالت: إن ابنك لا حاجة له بالنساء، فتطلبه أبوه فهرب، فأرسل وراءه فلم يقدروا عليه.
فيقال إنه قتل المرأة الثانية لكونها أفشت سره، فهرب من أجل ذلك، وأطلق سراح الاخرى.
فأقامت تعبد الله في بعض نواحي تلك المدينة، فمر بها رجل يوما فسمعته يقول: بسم الله.
فقالت له أني لك هذا الاسم ؟ فقال إني من
أصحاب الخضر، فتزوجته فولدت له أولادا.
ثم صار من أمرها أن صارت ماشطة بنت فرعون، فبينما هي يوما تمشطها إذ وقع المشط من يدها فقالت: بسم الله.
فقالت ابنة فرعون: أبى ؟ فقالت: لا، ربي وربك ورب أبيك الله.
فأعلمت أباها فأمر بنقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها فألقيت فيها.
فلما عاينت ذلك تقاعست أن تقع فيها، فقال لها ابن معها صغير: يا أمه اصبري فإنك على الحق.
فألقت نفسها في النار فماتت، رحمها الله.

وقد روى ابن عساكر عن أبي داود الاعمى نفيع - وهو كذاب وضاع - عن أنس بن مالك، ومن طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف - وهو كذاب أيضا - عن أبيه عن جده: أن الخضر جاء ليلة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ويقول: اللهم أعنى على ما ينجيني مما خوفتني، وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه ".
فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك فسلم عليه فرد عليه السلام وقال قل له: إن الله فضلك على الانبياء كما فضل [ شهر (1) ] رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على الامم كما فضل يوم الجمعة على غيره " الحديث.
وهو مكذوب لا يصح سندا ولا متنا، فكف لا يتمثل بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجئ بنفسه مسلما ومتعلما ؟ ! وهم يذكرون في حكاياتهم وما يسندونه عن بعض مشايخهم: أن الخضر يأتي إليهم ويسلم عليهم، ويعرف أسماءهم ومنازلهم ومحالهم، وهو مع هذا لا يعرف موسى بن عمران كليم الله، الذي اصطفاه الله في ذلك الزمان على من سواه، حتى يتعرف إليه بأنه موسى بني إسرائيل.
وقد قال الحافظ أبو الحسين بن المنادى، بعد إيراده حديث أنس هذا:
وأهل الحديث متفقون على أنه حديث منكر الاسناد سقيم المتن، يتبين فيه أثر الصنعة.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي قائلا: أنبأنا (2) أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر ابن بالويه، حدثنا محمد بن بشر بن مطر، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك
__________
(1) ليست في ا (2) ط: أخبرنا.
(*)

قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدق به أصحابه، فبكوا حوله واجتمعوا.
فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى.
ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا وإليه فارغبوا، وقد نظر إليكم في البلاء فانظروا، فإن المصاب من لم يجبر، وانصرف.
فقال بعضهم لبعض: أتعرفون الرجل ؟ فقال أبو بكر وعلي: نعم، هو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضر عليه السلام.
وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا عن كامل بن طلحة به.
وفي متنه مخالفة لسياق البيهقي.
ثم قال البيهقي: عباد بن عبد الصمد ضعيف فهذا منكر بمرة.
قلت: عباد بن عبد الصمد هذا هو ابن معمر البصري، وروى عن أنس نسخة، قال ابن حبان والعقيلي: أكثرها موضوع، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث جدا منكره، وقال ابن عدى: عامة ما يرويه في فضائل على، وهو ضعيف غال في التشيع.
وقال الشافعي في مسنده: أنبأنا (1) القاسم بن عبد الله بن عمر، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن جده على علي بن الحسين قال: لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا،
__________
(1) ط: أخبرنا.
(*)

وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
قال علي بن الحسين: أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر.
شيخ الشافعي القاسم العمرى متروك.
قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: يكذب.
زاد أحمد: ويضع الحديث.
ثم هو مرسل ومثله لا يعتمد عليه هاهنا والله أعلم.
وقد روى من وجه آخر ضعيف، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه عن علي ولا يصح.
وقد روى عبد الله بن وهب عمن حدثه، عن محمد بن عجلان، عن محمد ابن المنكدر: أن عمر بن الخطاب بينما هو يصلى على جنازة إذ سمع هاتفا وهو يقول: لا تسبقنا يرحمك الله.
فانتظره حتى لحق بالصف، فذكر دعاءه للميت: إن تعذبه فكثيرا عصاك، وإن تغفر له ففقير إلى رحمتك.
ولما دفن قال: طوبى لك يا صاحب القبر إن لم تكن عريفا أو جابيا أو خازنا أو كاتبا أو شرطيا.
فقال عمر: خذوا الرجل نسأله عن صلاته وكلامه عمن هو ؟ [ قال (1) ] فتوارى عنهم، فنظروا فإذا أثر قدمه ذراع.
فقال عمر: هذا والله الخضر الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الاثر فيه مبهم، وفيه انقطاع ولا يصح مثله.
وروى الحافظ ابن عساكر عن الثوري عن عبد الله بن المحرر (2) عن يزيد بن الاصم، عن علي بن أبي طالب قال: دخلت الطواف في بعض الليل، فإذا أنا برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يمنعه
__________
(1) ليست في ا.
(2) ط: ابن محرز.
وهو تحريف صوابه من ا وانظر ميزان الاعتدال 2 / 500.
(*)

سمع عن سمع، ويا من لا تغلطه المسائل، ويا من لا يبرمه إلحاح الملحين ولا مسألة السائلين - ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك.
قال: فقلت أعد علي ما قلت، فقال لي: أو سمعته ؟ قلت نعم.
فقال لي: والذي نفس الخضر بيده - قال: وكان هو الخضر - لا يقولها عبد خلف صلاة مكتوبة إلا غفر الله له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر وورق الشجر وعدد النجوم، لغفرها الله له وهذا ضعيف من جهة عبد الله بن المحرر، فإنه متروك الحديث، ويزيد بن الاصم لم يدرك عليا، ومثل هذا لا يصح ولله أعلم.
وقد رواه أبو إسماعيل الترمذي: حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا صالح ابن أبي الاسود، عن محفوظ بن عبد الله الحضرمي، عن محمد بن يحيى قال: بينما علي بن أبي طالب يطوف بالكعبة، إذا هو برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا يغلطه السائلون، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك.
قال: فقال له علي: يا عبد الله أعد دعاءك هذا قال: أو قد سمعته ؟ قال نعم.
قال فادع به في دبر كل صلاة، فوالذي نفس الخضر بيده لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء ومطرها، وحصباء الارض وترابها، لغفر لك أسرع
من طرفة عين.
وهذا أيضا منقطع، وفي إسناده من لا يعرف، والله أعلم.
وقد رواه (1) ابن الجوزى من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا: حدثنا
__________
(1) ط: وقد أورد.
(*)

يعقوب بن يوسف، حدثنا مالك بن إسماعيل فذكر نحوه.
ثم قال: وهذا إسناد مجهول منقطع، وليس فيه ما يدل على أن الرجل الخضر.
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أنبأنا أبو القاسم ابن الحصين (1) أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد، أنبأنا أبو إسحق المزكى، حدثنا محمد بن إسحق بن خزيمة، حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد أملاه علينا بعبادان، أنبأنا عمرو بن عاصم، حدثنا الحسن بن رزين (2) عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس قال: ولا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " يلتقى الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل [ واحد (3) ] منهما راس صاحبه، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء (4) إلا الله، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ".
قال وقال ابن عباس: من قالهن حين يصبح وحين يمسى ثلاث مرات، آمنه الله من الغرق والحرق والسرق.
قال: وأحسبه قال: ومن الشيطان والسلطان والحية والعقرب.
قال الدار قطني في الافراد: هذا حديث غريب من حديث ابن جريج لم يحدث به غير هذا الشيخ [ عنه (5) ] يعنى الحسن بن رزين هذا (6).
وقد روى عن محمد بن كثير العبدى أيضا، ومع هذا قال فيه الحافظ أبو أحمد
ابن عدى: ليس بالمعروف.
__________
(1) ا: ابن الحسين.
(2) ط: ابن زريق.
وهو تحريف صوابه من ا.
وانظر ميزان الاعتدال 1 / 490.
(3) من ا.
(4) ط: الشر.
(5) ليست في ا (6) ط: عنه (*)

وقال الحافظ أبو جعفر العقيلى: مجهول وحديثه غير محفوظ.
وقال أبو الحسن بن المنادى: هو (1) حديث واه بالحسن بن رزين.
وقد روى ابن عساكر نحوه من طريق علي بن الحسن الجهضمى - وهو كذاب - عن ضمرة بن حبيب المقدسي، عن أبيه، عن العلاء بن زياد القشيرى، عن عبد الله بن الحسن، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مرفوعا قال: يجتمع كل يوم عرفة بعرفات - جبريل وميكائيل وإسرافيل والخضر وذكر حديثا طويلا موضوعا تركنا إيراده قصدا ولله الحمد.
وروى ابن عساكر من طريق هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى الخشنى، عن ابن أبي رواد قال: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان ببيت المقدس، ويحجان في كل سنة، ويشربان من ماء زمزم شربة [ واحدة (2) ] تكفيهما إلى مثلها من قابل.
وروى ابن عساكر: أن الوليد بن عبد الملك بن مروان - بانى جامع دمشق - أحب أن يتعبد ليلة في المسجد، فأمر القومة أن يخلوه له ففعلوا، فلما كان من الليل جاء في باب الساعات فدخل الجامع، فإذا رجل قائم يصلى فيما بينه وبين باب الخضراء، فقال للقومة: ألم آمركم أن تخلوه ؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا الخضر يجئ كل ليلة يصلى هاهنا.
قال ابن عساكر أيضا: أنبأنا أبو القاسم ابن إسماعيل بن أحمد أنبأنا أبو بكر بن الطبري، أنبأنا أبو الحسين ابن الفضل، أنبأنا عبد الله بن
جعفر، حدثنا يعقوب - هو ابن سفيان الفسوى - حدثني محمد بن
__________
(1) ا: هذا حديث.
(2) ليست في ا.
(*)

عبد العزيز، حدثنا ضمرة (1) عن السرى بن يحيى، عن رباح بن عبيدة، قال: رأيت رجلا يماشى عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه، فقلت في نفسي: إن هذا الرجل حاف، قال فلما انصرف من الصلاة - قلت من الرجل الذي كان معتمدا على يدك آنفا ؟ قال وهل رأيته يا رباح ؟ قلت نعم.
قال: ما أحسبك إلا رجلا صالحا، ذاك أخي الخضر بشرني أني سألى وأعدل.
قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزى، الرملي مجروح عند العلماء.
وقد قدح أبو الحسين بن المنادى في ضمرة والسرى ورباح، ثم أورد من طرق أخر عن عمر بن عبد العزيز، أنه اجتمع بالخضر، وضعفها كلها.
وروى ابن عساكر أيضا أنه اجتمع بإبراهيم التيمى وبسفيان بن عيينة وجماعة يطول ذكرهم.
وهذه الروايات والحكايات هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليوم.
وكل من الاحاديث المرفوعة ضعيفة جدا لا يقوم بمثلها حجة في الدين، والحكايات لا يخلو أكثرها عن ضعف الاسناد.
وقصاراها أنها صحيحة إلى من ليس بمعصوم من صحابي أو غيره، لانه يجوز عليه الخطأ، والله أعلم.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن أبا سعيد قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا عن الدجال: وقال فيما يحدثنا: " يأتي الدجال - وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة - فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس
أو من خيرهم، فيقول أشهد أنك أنت الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله
__________
(1) ط: جمرة.
محرفة.
(*)

صلى الله عليه وسلم بحديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الامر ؟ فيقولون لا، فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحيا: والله ما كنت أشد بصيرة فيك مني الآن.
قال فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه.
قال معمر: بلغني أنه يجعل على حلقه صحيفة من نحاس، وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه.
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري [ به (1) ].
وقال أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الراوي عن مسلم: الصحيح أن يقال إن هذا الرجل الخضر، وقول معمر وغيره: بلغني - ليس فيه حجة.
وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث: فيأتي بشاب ممتلئ شبابا فيقتله، وقوله: الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا يقتضى المشافهة، بل يكفى التواتر.
وقد تصدى الشيخ أبو الفرج ابن الجوزى رحمه الله في كتابه: " عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر " للاحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات فبين أنها موضوعة، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها وجهالة رجالها، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد.
وأما الذين ذهبوا إلى أنه قد مات، ومنهم البخاري وإبراهيم الحربي وأبو الحسين بن المنادى والشيخ أبو الفرج ابن الجوزى، وقد انتصر لذلك
__________
(1) ليست في ا (*)

وألف (1) فيه كتابا أسماه " عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر " فيحتج لهم بأشياء كثيرة: منها قوله: " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد "، فالخضر إن كان بشرا (2) فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح، والاصل عدمه حتى يثبت.
ولم يذكر فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله.
ومنها: أن الله تعالى قال: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصرى ؟ قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ".
قال ابن عباس: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه.
وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق، لئن بعث محمدا وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه.
ذكره البخاري عنه.
فالخضر إن كان نبيا أو وليا، فقد دخل في هذا الميثاق، فلو كان حيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه، يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحد من الاعداء إليه، لانه إن كان وليا فالصديق أفضل منه، وإن كان نبيا فموسى أفضل منه.
وقد روى الامام أحمد في مسنده: حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا
__________
(1) ا: وصنف (2) ا: بشريا (*)

هشيم، أنبأنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ".
وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة، وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة: أن الانبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء [ مكلفون ] (1) في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكانوا كلهم أتباعا له، وتحت أوامره وفي عموم شرعه.
كما أنه صلوات الله وسلامه عليه لما اجتمع بهم (2) ليلة الاسراء رفع فوقهم كلهم.
ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس وحانت الصلاة أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم، فصلى (3) بهم في محل ولايتهم ودار إقامتهم.
فدل على أنه الامام الاعظم، والرسول الخاتم المبجل المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
فإذا علم هذا - وهو معلوم عند كل (4) مؤمن - علم أنه لو كان الخضر حيا لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وممن يقتدى بشرعه لا يسعه إلا ذلك.
هذا عيسى بن مريم عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة، لا يخرج منها ولا يحيد عنها، وهو أحد أولى العزم الخمسة المرسلين وخاتم أنبياء بني إسرائيل.
والمعلوم (5) أن الخضر لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه، أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد، ولم يشهد معه قتالا في مشهد من المشاهد
__________
(1) ليست في ا (2) ط: معهم.
(3) ا: فيصلى (4) ا: لكل مؤمن.
(5) ا: ومعلوم.
(*)

وهذا يوم بدر يقول الصادق المصدوق فيما دعا به لربه عزوجل،
واستنصره واستفتحه على من كفره: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الارض "، وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ، وسادة الملائكة حتى جبريل عليه السلام، كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له، في بيت يقال إنه أفخر بيت قالته العرب: وببئر (1) بدر إذ يرد وجوههم * جبريل تحت لوائنا ومحمد فلو كان الخضر حيا، لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته وأعظم غزواته.
قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلى: سئل بعض أصحابنا عن الخضر: هل مات ؟ فقال نعم.
قال وبلغني مثل هذا عن أبي طاهر بن الغبارى قال: وكان يحتج بأنه لو كان حيا لجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نقله ابن الجوزي في العجالة.
فإن قيل: فهل (2) يقال إنه كان حاضرا في هذه المواطن كلها ولكن لم يكن أحد يراه ؟ فالجواب: أن الاصل عدم هذا الاحتمال البعيد الذي يلزم منه تخصيص العموميات بمجرد التوهمات.
ثم ما الحامل (3) له على هذا الاختفاء ؟ وظهوره أعظم لاجره وأعلى في مرتبته وأظهر لمعجزته ؟ ثم لو كان باقيا بعده، لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) ا ومعلوم.
(2) المطبوعة: وثبير.
وهو تحريف (3) ا: فهلا.
(4) ا: الحاصل.
محرفة (*)

الاحاديث النبوية والآيات القرآنية، وإنكاره لما وقع من الاحاديث المكذوبة، والروايات المقلوبة والآراء البدعية والاهواء العصبية، وقتاله
مع المسلمين في غزواتهم وشهوده جمعهم وجماعاتهم، ونفعه إياهم ودفعه الضرر عنهم ممن سواهم، وتسديده العلماء والحكام، وتقريره الادلة والاحكام، أفضل مما يقال عنه من كنونه في الامصار، وجوبه الفيافي والاقطار، واجتماعه بعباد لا يعرف أحوال كثير منهم، وجعله لهم كالنقيب المترجم عنهم.
وهذا الذي ذكرناه لا يتوقف فيه أحد فيه بعد التفهيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما - عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ليلة العشاء ثم قال: " أرأيتم ليلتكم هذه ؟ فإنه إلى مائة سنة لا يبقى ممن هو على وجه الارض اليوم أحد ".
وفي رواية " عين تطرف ".
قال ابن عمر: فوهل الناس (1) من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه، وإنما أراد انخرام (2) قرنه قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبد الله وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، أن عبد الله بن عمر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة [ صلاة ] (3) العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: " أرأيتم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن على ظهر الارض أحد ".
وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الزهري.
__________
(1) وهلوا: فزعو (2) الانخرام: الانقطاع.
(3) من ا.
(*)

وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سليمان التيمى، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بقليل أو بشهر: " ما من نفس منفوسة - أو ما منكم من
نفس اليوم منفوسة - يأتي عليها مائة سنة وهي يومئذ حية ".
وقال أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قبل أن يموت بشهر: " يسألونني عن الساعة وإنما علمها عند الله، أقسم بالله ما على الارض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة ".
وهكذا رواه مسلم من طريق أبي نضرة وأبي الزبير: كل منهما عن جابر بن عبد الله بن نحوه.
وقال الترمذي: حدثنا عباد، حدثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما على الارض من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة ".
وهذا أيضا على شرط مسلم.
قال ابن الجوزى: فهذه الاحاديث الصحاح تقطع دابر دعوى حياة الخضر.
قالوا: فالخضر (1) إن لم يكن قد أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو المظنون الذي يترقى في القوة إلى القطع، فلا إشكال، وإن كان
__________
(1) ا: والخضر.
(*)

قد أدرك زمانه، فهذا الحديث يقتضي أنه لم يعش بعد مائة سنة، فيكون الآن مفقودا لا موجودا، لانه داخل في هذا العموم، والاصل عدم المخصص له حتى يثبت بدليل صحيح يجب قبوله، والله أعلم.
وقد حكى الحافظ أبو القاسم السهيلي في كتابه: " التعريف والاعلام " عن البخاري وشيخه أبي بكر بن العربي: أنه أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم
ولكن مات بعده لهذا الحديث.
وفي كون البخاري رحمه الله يقول بهذا وأنه بقي إلى زمان النبي صلى الله عليه وسلم، نظر ورجح السهيلي بقاءه، وحكاه عن الاكثرين.
قال: وأما اجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم وتعزيته لاهل البيت بعده فمروى من طرق صحاح، ثم ذكر ما تقدم مما ضعفناه، ولم يورد أسانيدها والله أعلم.

[ وأما ] (1) إلياس عليه السلام قال الله تعالى بعد قصة موسى وهرون من سورة الصافات: " وإن إلياس لمن المرسلين * إذ قال لقومه ألا تتقون * أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين * الله ربكم ورب آبائكم الاولين * فكذبوه فإنهم لمحضرون * إلا عباد الله المخلصين * وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إلياسين * إنا كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين (2) ".
قال علماء النسب هو: إلياس النشبى، ويقال: ابن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هرون.
وقيل: إلياس بن العازر بن العيزار ابن هارون بن عمران.
قالوا وكان إرساله إلى أهل بعلبك غربي دمشق، فدعاهم إلى الله عزوجل وأن يتركوا عبادة صنم لهم كانوا يسمونه " بعلا ".
وقيل كانت امرأة اسمها " بعل " والله أعلم.
[ والاول أصح (2) ] ولهذا قال لهم: " ألا تتقون * أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين * الله ربكم ورب آبائكم الاولين ".
فكذبوه وخالفوه وأرادوا قتله.
فيقال إنه هرب منهم واختفى عنهم قال أبو يعقوب الاذرعي، عن يزيد بن عبد الصمد، عن هشام بن عمار قال: وسمعت من يذكر عن كعب الاحبار أنه قال: إن إلياس اختفى من ملك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله
__________
(1) من ا (2) الآيات، 123 - 132 (3) ليست في ا (*) (16 - قصص الانبياء 2)

الملك وولى غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الاسلام فأسلم، وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم.
فأمر بهم فقتلوا عن آخرهم.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني أبو محمد القاسم بن هاشم، حدثنا عمر ابن سعيد الدمشقي، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن بعض مشيخة دمشق قال: أقام إلياس عليه السلام هاربا من قومه في كهف جبل عشرين ليلة - أو قال أربعين ليلة - تأتيه الغربان برزقه.
وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي: أنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه قال: أول نبي بعث إدريس، ثم نوح ثم إبراهيم، ثم إسماعيل وإسحق، ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود ثم صالح ثم شعيب، ثم موسى وهارون ابنا عمران، ثم إلياس النشبى بن العازر بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام.
هكذا قال: وفي هذا الترتيب نظر.
وقال مكحول عن كعب: أربعة (1) أنبياء أحياء، اثنان في الارض إلياس والخضر، واثنان في السماء: إدريس وعيسى عليهم السلام.
وقد قدمنا قول من ذكر أن إلياس والخضر يجتمعان في كل عام في
شهر رمضان ببيت المقدس، وأنهما يحجان كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من العام المقبل.
وأوردنا الحديث الذي فيه أنهما يجتمعان بعرفات كل سنة.
__________
(1) ا: أنبياء أربعة.
(*)

وبينا أنه لم يصح شئ من ذلك، وأن الذي يقوم عليه الدليل: أن الخضر مات، وكذلك إلياس عليهما السلام.
وما ذكره وهب بن منبه وغيره: أنه لما دعا ربه عزوجل أن يقبضه إليه لما كذبوه وآذوه، فجاءته دابة لونها لون النار فركبها، وجعل الله له ريشا وألبسه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وصار ملكيا بشريا سماويا أرضيا، وأوصى إلى اليسع بن أخطوب، ففي هذا نظر.
وهو من الاسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، بل الظاهر أن صحتها بعيدة، والله تعالى أعلم.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني [ أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني ببخارى، حدثنا عبد الله بن محمود، حدثنا عبدان بن سنان ] (1) حدثني أحمد بن عبد الله البرقى، حدثنا يزيد بن يزيد البلوى، حدثنا أبو إسحاق الفزارى، عن الاوزاعي، عن مكحول، عن أنس بن مالك قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلا فإذا رجل في الوادي يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم المرحومة المغفورة المتاب لها قال: فأشرفت على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع، فقال لي من أنت ؟ فقلت: أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فأين هو ؟ قلت هوذا يسمع كلامك، قال: فأته فأقرئه [ مني (2) ] السلام، وقل له (3) أخوك إلياس يقرئك السلام.
قال: فأتيت النبي
__________
(1) سقطت من ا.
(2) من ا.
(3) ا: إن أخاك.
(*)

صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فجاء حتى لقيه فعانقه وسلم، ثم قعدا يتحادثان فقال له: يارسول الله إني ما آكل في السنة إلا يوما، وهذا يوم فطرى (1) فآكل أنا وأنت.
قال: فنزلت عليهما مائدة من السماء، عليها خبز وحوت وكرفس، فأكلا وأطعماني وصلينا العصر، ثم ودعه ورأيت مره في السحاب نحو السماء: فقد كفانا البيهقي أمره، وقال: [ هذا (1) ] حديث ضعيف بمرة.
والعجب أن الحاكم أبا عبد الله النيسابوري أخرجه في مستدركه على الصحيحين، وهذا مما يستدرك به على المستدرك: فإنه حديث موضوع مخالف للاحاديث الصحاح من وجوه ومعناه لا يصح أيضا، فقد تقدم في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا في السماء إلى أن قال: ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن " وفيه أنه لم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان هو الذي ذهب إليه، وهذا لا يصح، لانه كان أحق بالسعي إلى بين يدي خاتم الانبياء.
وفيه أنه يأكل في السنة مرة، وقد تقدم عن وهب أنه سلبه الله لذة المطعم والمشرب، وفيما تقدم عن بعضهم: أنه يشرب من زمزم كل سنة شربة تكفيه إلى مثلها من الحول الآخر.
وهذه أشياء متعارضة وكلها باطلة لا يصح شئ منها.
وقد ساق ابن عساكر هذا الحديث من طريق أخرى واعترف بضعفها
__________
(1) ا: فطر.
(2) من ا (*)

وهذا عجب منه، كيف تكلم عليه ؟ فإنه أورده من طريق حسين بن عرفة عن هانئ بن الحسن عن بقية، عن الاوزاعي، عن مكحول، عن واثلة عن ابن الاسقع، فذكر نحو هذا مطولا.
وفيه أن ذلك (1) كان في غزوة تبوك، وأنه بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك وحذيفة بن اليمان، قالا: فإذا هو أعلى جسما [ منا (2) ] بذراعين أو ثلاثة، واعتذر بعدم قدرته لئلا تنفر الابل.
وفيه أنه لما اجتمع به رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلا من طعام الجنة، وقال: إن لي في كل أربعين يوما أكلة، وفي المائدة خبز ورمان وعنب وموز ورطب وبقل، ما عدا الكراث.
وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن الخضر فقال: عهدي به عام أول، وقال لي: إنك ستلقاه قبلى فأقرئه مني السلام.
وهذا يدل على أن الخضر وإلياس، بتقدير وجودهما وصحة هذا الحديث لم يجتمعا به إلى سنة تسع من الهجرة، وهذا لا يسوغ (3) شرعا.
وهذا موضوع أيضا.
وقد أورد ابن عساكر طرفا فيمن اجتمع إلياس من العباد، وكلها لا يفرح بها، لضعف إسنادها أو لجهالة المسند إليه فيها.
ومن أحسنها ما قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني بشر بن معاذ، حدثنا حماد بن واقد، عن ثابت قال: كنا مع مصعب بن الزبير بسواد الكوفة، فدخلت حائطا أصلي فيه ركعتين فافتتحت: " حم تنزيل الكتاب من الله العزيز
__________
(1) ا: أنه كان (2) من ا.
(3) ا: لا يجوز.
(*)

العليم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب * ذي الطول " فإذا رجل من خلفي على بغلة شهباء، عليه مقطعات يمنية فقال لي: إذا قلت " غافر الذنب " فقل: يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي، وإذا قلت " قابل التوب " فقل يا قابل التوب تقبل توبتي، وإذا قلت " شديد العقاب " فقل يا شديد العقاب لا تعاقبني، وإذا قلت " ذي الطول " فقل يا ذا الطول تطول علي برحمة، فالتفت فإذا لا أحد.
وخرجت فسألت: مر بكم رجل على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنية ؟ فقالوا: ما مر بنا أحد.
فكانوا لا يرون إلا أنه إلياس.
وقوله تعالى: " فكذبوه فإنهم لمحضرون " أي للعذاب، إما في الدنيا والآخرة، أو في الآخرة.
والاول أظهر على ما ذكره المفسرون والمؤرخون وقوله: " إلا عباد الله المخلصين " أي إلا من آمن منهم.
وقوله: " وتركنا عليه في الآخرين " أي أبقينا بعده (1) ذكرا حسنا له في العالمين فلا يذكر إلا بخير، ولهذا قال: " سلام على إلياسين " [ أي سلام على إلياس (2) ] والعرب تلحق النون في أسماء كثيرة وتبدلها من غيرها كما قالوا: إسماعيل وإسماعين [ وإسرائيل وإسرائين، وإلياس وإلياسين ] (2) وقد قرئ: سلام على آل ياسين، أي على آل محمد، وقرأ ابن مسعود وغيره: سلام على إدراسين، ونقل عنه من طريق إسحاق عن عبيدة ابن ربيعة عن ابن مسعود أنه قال: الياس هو إدريس.
وإليه ذهب الضحاك بن مزاحم، وحكاه قتادة ومحمد بن إسحاق.
والصحيح أنه غيره كما تقدم.
والله أعلم.
__________
(1) ا: أبقينا له.
(2) سقطت من ا.
(*)

 
 

Document sans titre
 

Warning: main() [function.main]: open_basedir restriction in effect. File(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) is not within the allowed path(s): (/mnt/110/sda/d/6/kutub) in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/019.php on line 457

Warning: main(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) [function.main]: failed to open stream: Operation not permitted in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/019.php on line 457

Warning: main() [function.include]: Failed opening '/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php' for inclusion (include_path='/mnt/110/sda/d/6/kutub/include:.:/usr/php4/lib/php') in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/019.php on line 457