الباب الثامن والعشرون في ذكر حال الموحدين في النار وخروجهم منها برحمة أرحم الراحمين وشفاعة الشافعين.
قد تقدم في الأحاديث الصحيحة أن الموحدين يمرون على الصراط فينجو منهم من ينجو ويقع منهم من يقع في النار فإذا دخل أهل الجنة فقدوا من وقع من إخوانهم الموحدين في النار فيسألون الله عز وجل إخراجهم منها روى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل سبق منه ذكر المرور على الصراط ثم قال حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا إنهم كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه فيقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول لهم ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه نصف مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجوه خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا بإخراجه أحدا فيقول
ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا فيقولون ربنا لم نذر فيها خيرا وكان أبو سعيد يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [ النساء 40 ] فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم
الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج بها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل وذكر بقية الحديث خرجاه في الصحيحين ولفظه لمسلم والمراد بقوله لم يعملوا خيرا قط من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيرا قط غير التوحيد خرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا ومن حديث ابن مسعود موقوفا ويشهد لهذا ما في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الشفاعة قال فأقول يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله خرجاه في الصحيحن وعند مسلم فيقول ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك وهذا يدل على أن الذين يخرجهم اللهم برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا معها خيرا قط بجوارحهم والله أعلم وروى أبو الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوضع الصراط بين ظهراني جهنم عليه حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومجروح به ناج ومحتبس منكوس فيها فإذا فرغ الله من القضاء بين العباد وتفقد المؤمنون رجالا في الدنيا كانوا يصلون بصلاتهم ويزكون زكاتهم ويصومون صومهم ويحجون حجهم ويغزون غزوهم فيقولون أي ربنا عباد من عبادك كانوا معنا في الدنيا يصلون بصلاتنا ويزكون زكاتنا ويصومون صومنا ويحجون حجنا ويغزون غزون ولا نراهم فيقول عز وجل اذهبوا إلى النار فمن وجدتموه فيها فأخرجوه قال فيخرجونهم وقد أخذتهم النار على قدر أعمالهم فمنهم من اخذته إلى قدميه ومنهم من أخذته إلى ركبيته ومنهم من أخذته إلى أزرته ومنهم من أخذته إلى ثديه ومنهم من أخذته إلى عنقه ولم تغش الوجوه قال فيستخرجونهم ثم يطرحون في ماء الحياة قيل يا نبي الله وما ماء الحياة قال غسل أهل الجنة قال فينبتون فيها كما تنبت
الزرعة في غثاء السيل ثم تشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا فيستخرجونهم منها ثم يتحنن الله برحمته على من فيها فما يترك فيها عبدا في قلبه مثقال ذرة من الإيمان إلا أخرجه منها خرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وخرجاه في الصحيحين من حديث مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يدخل أهل الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله عز وجل أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة أو حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحياة أو الحياء شك مالك فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية ولفظه للبخاري وعند مسلم فيخرجون منها حمما قد امتحشوا وفي الصحيحين أيضا عن الزهري عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يجمع الله الناس يوم القيامة فذكر الحديث بطوله وفيه ذكر جواز الناس على الصراط ثم قال حتى إذ فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل الكبائر من النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن دخل النار يعرفون بأثر السجود تأكل النار ما من ابن آدم إلا أثر
السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل وذكر بقية الحديث وخرج مسلم من حديث يزيد الفقير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها الإدارة وجوههم حتى يدخلوا الجنة وخرج أيضا من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فجئ بهم ضبابير ضبابير فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل لأهل الجنة أفيضوا
عليهم فينبتون نبات الحبة في حميل السيل وظاهر الحديث يدل على أن هؤلاء يموتون حقيقة وتفارق أرواحهم أجسادهم ويدل على ذلك ما خرجه البزار من حديث عبد الله بن رجاء حدثنا سعيد ابن مسلمة أخبرني موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن أدنى أهل الجنة حظا أو نصيبا قوم يخرجهم الله من النار فيرتاح لهم الرب تعالى إنهم كانوا لا يشركون بالله شيئا فينبذون بالعراء فينبتون كما تنبت البقلة حتى إذا دخلت الأرواح أجسادها قالوا ربنا كما أخرجتنا من النار وأرجعت الأرواح رلى أجسادها فاصرف وجوهنا عن النار فتصرف وجوههم عن النار وروى مسكين أبو فاطمة حدثني اليمان بن يزيد عن محمد بن حمير عن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها إذا ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين من دخل النار منهم في الباب الأول من جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ولا
يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران في النار حرم الله أجسادهم على الخلود من أجل التوحيد وحرم صورهم على النار من أجل السجود منهم من تأخذه النار إلى قدميه ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه على قدر ذنوبهم وأعمالهم فمنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج ومنهم من يمكث فيا سنة ثم يخرج منها وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى فإذا أراد الله أن يخرجوا منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وأنتم اليوم في النار سواء فيغضب الله لهم غضبا لم يغضبه لشئ مما مضى فيخرجهم إلى عين في الجنة وهو قوله تعالى ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين [ الحجر 2 ] خرجه ابن أبي حاتم وغيره وخرجه الاسماعيلي مطولا وقال الدار قطني في كتاب المختلق هو حديث منكر واليمان مجهود ومسكين ضعيف ومحمد بن حمير لا أعرفه إلا في هذا الحديث انتهى
وقد سبق حديث أنس في الذي ينادي في النار ألف سنة يا حنان يا منان ثم يخرج منها وروينا من طريق محمد بن معاوية حدثنا حازم عن الحسن قال أهل التوحيد في النار لا يقيدون فتقول الخزنة بعضهم لبعض ما بال هولاء يقيدون وهؤلاء لا يقيدون فناداهم مناد إن هؤلاء كانوا يمشون في ظلام الليل إلى المساجد وقال مروان بن معاوية عن مالك بن أبي الحسن عن الحسن قال يخرج رجل من النار بعد ألف عام قال الحسن ليتني ذلك الرجل [ إن طالبني بذنوبي لأطالبنه بعفوه ] قال أحمد بن أبي الحواري دخلت على أبي سليمان وهو يبكي فقلت ما يبكيك قال لئن طالبني بذنوبي لأطالبنه بعفوه ولئن طالبني ببخلي لأطالبنه بجوده ولئن أدخلني النار لأخبرن أهل النار أني كنت أحبه وروى ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله تعالى بإسناده عن علي بن بكار أنه سئل عن حسن الظن بالله قال ان لا يجمعك والفجار في دار واحدة وعن سلمان بن الحكم بن عوانة أن رجلا دعا بعرفات فقال لا تعذبنا بالنار بعد أن أسكنت توحيدك قلوبنا قال ثم بكى وقال ما أخالك تفعل بعفوك ثم بكى وقال ولئن فعلت فبذنوبنا لا تجمعن بيننا وبين قوم ظالمين عاديناهم فيك وعن حكيم بن جابر قال قال إبراهيم عليه السلام اللهم لا تشرك من كان يشرك بك وبمن كان لا يشرك بك قال ابن أبي الدنيا وحدثني أبو حفص الصيرفي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا تلا وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت [ النحل 38 ]
حدثنا ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت أتراك تجمع بين القسمين في دار واحدة ثم بكى أبو حفص بكاء شديدا وروى أبو نعيم بإسناده عن عون بن عبد الله قال ما كان الله لينقذنا من شر ثم يعيدنا فيه وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها [ آل عمران 103 ] [ ابن وما كان الله ليجمع بين أهل القسمين في النار وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت [ النحل 38 ] ونحن نقسم بالله جهد إيماننا ليبعثن الله من يموت وقال محمد بن إسحاق السراج حدثنا حماد بن المؤمل الكلبي حدثني بعض أصحابنا عن ابن السماك قال لما طلبني هارون الرشيد قال تكلم وادع فدعوت بدعاء أعجبه وقلت في دعائي اللهم إنك قلت وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت اللهم إنا نقسم بالله جهد إيماننا لتبعثن من يموت أفتراك يا رب تجمع بين أهل القسمين في مكان واحد وهارون يبكي |