الباب السادس عشر في ذكر حجارتها قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة [ التحريم 6 ] وقال فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين [ البقرة 24 ] واختلف المفسرون في هذه الحجارة فقالت طائفة منهم الربيع بن أنس [ الحجارة كما هي الأصنام التي عبدت من دون الله واستشهد بعضهم لهذا بقوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردها [ الأنبياء 99 98 ] قل ابن أبي حاتم حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية بن أبي صالح عن أبي بكر ابن أبي مريم عن أبيه أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في قوله إذا الشمس كورت [ التكوير 1 ] قال كورت في جهنم وإذا النجوم انكدرت [ التكوير 2 ] قال انكدرت في جهنم وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى وأمه ولو رضيا لدخلها غريب جدا وأبو بكر بن أبي مريم فيه ضعف وقد روي أن الشمس والقمر يكوران في النار ورواه عبد العزيز بن المختار عن عبد الله هو ابن فيروز الداناج قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الشمس والقمر ثوران يكوران في النار يوم القيامة خرجه البزار وغيره وخرجه البخاري مختصرا ولفظه الشمس والقمر يكوران يوم القيامة
وخرج أبو يعلى من رواية درست بن زياد عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الشمس والقمر ثوران عقيران في النار وهذا إسناد ضعيف جدا وقد قيل إن المعنى في ذلك أن الكفار لما عبدوا الآلهة من دون الله واعتقدوا أنها تشفع لهم عند الله وتقربهم إليه عوقبوا بأن جعلت معهم في النار إهانة لها وإذلالا ونكاية لهم وإبلاغا في حسرتهم وندامتهم فإن الإنسان إذا قرن في العذاب بمن كان سبب عذابه كان أشد في ألمه وحسرته ولهذ المعنى يقرن الكفار بشياطينهم التي أضلتهم قال الله تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [ الزخرف 36 - 39 ] قال معمر عن سعيد الجريري في هذه الآيات بلغنا أن الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره شفع بشيطانه فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار فذلك حين يقول يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين [
الزخرف 38 ] وقال أبو الاشهب عن سعيد الجريري عن عباس الجشمي إن الكافر إذا خرج من قبره وجد عند رأسه مثل السرحة المحترقة شيطانة فتأخذ بيده فتقول أنا قرينتك ادخل أنا وأنت جهنم فذلك قوله يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين خرجهما ابن أبي حاتم وغيره والسرحة شجرة كبيرة وقد أخبر الله تعالى عن خنق الكفار على من أضلهم بقوله وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين [ فصلت 92 ] فإذا قرن أحدهم بمن أضله في العذاب كان أشد لعذابه فان المكان المتسع يضيق على المتباغضين فكيف بإقترانهما هو في المكان الضيق
وأخبر الله تعالى عن اختصام الكفار مع من كان معهم من الشياطين ومن عبدوه من دون الله تعالى قال الله تعالى وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود ابليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون الآيات كلها [ الشعراء 99 91 ] ومن جملة أنواع عذاب أهل النار فيها تلاعنهم وسلم وتباغضهم وتبرء عنه بعضهم من بعض ودعاء بعضهم على بعض بمضاعفة العذاب كما قال الله تعالى كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا إداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار الآيات [ الأعراف 38 ] وقال الله تعالى وإذا يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا الآيات وقال الله تعالى هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إلى قوله إن لك لحق تخاصم أهل النار [ ص 59 - 64 ] وحينئذ فلا يبعد أن يقرن كل كافر بشيطانه الذي أضله وبصورة من عبده من دون الله من الحجارة وقال ابن أبي الدنيا
حدثنا عبد الله بن وضاح حدثنا عبادة بن كليب عن محمد ابن هاشم قال لما نزلت هذه الآية نارا وقودها الناس والحجارة [ التحريم 6 ] وقرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمعها شاب إلى جنبه فصعق فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في حجره رحمة له فمكث ما شاء الله أن يمكث ثم فتح عينيه فقال بأبي أنت وأمي مثل أي شئ الحجر قال أما يكفيك ما أصابك على أن الحجر الواحد منها لو وضع على جبال الدنيا كلها لذابت منه وإن مع كل إنسان منهم حجرا وشيطانا وقال الحسن في موعظته أذكرك الله ما رحمت نفسك فإنك قد حذرت نارا لا تطفأ يهوي فيها من صار إليها ويتردد بين أطباقها قرين شيطان ولزيق إن حجر يتلهب في وجهه شعلها لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها [ فاطر 36 ] وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة حجارة الكبريت توقد بها النار ويقال إن فيها
خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها من الحجارة سرعة الإيقاد ونتن الرائحة وكثرة الدخان وشدة الالتصاق بالأبدان وقوة جرها إذا أحميت قال عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود في قوله تعالى وقودها الناس والحجارة [ التحريم 6 ] قال هي حجارة من الكبريت خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين خرجه ابن أبي حاتم والحاكم في المستدرك وقال صحيح في شرط الشيخين وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة [ البقرة 24 ] أما الحجارة حجارة في النار من كبريت أسود يعذبون به مع النار وقال مجاهد حجارة من كبريت أنتن من الجيفة وهكذا قال أبو جعفر وابن جريج وعمرو بن دينار وغيرهم وقال ابن وهب أخبرني عبد الله بن عياش أخبرني عبد الله بن سليمان عن دراج عن أبي الهيثم عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الارضين بين كل أرض إلى التي تليها مسيرة خمسمائة سنة فالعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء والحوت على صخرة والصخرة بيد ملك والثانية سجن الريح فلما أراد الله هلاك عاد أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا قال يا رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر ثور قال له الجبار تبارك وتعالى إذن يكفي الأرض ومن عليها ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال الله في كتابه ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم [ الذاريات 42 ] والثالثة فيها حجارة جهنم والرابعة فيها كبريت جهنم قالوا يا رسول الله أللنار كبريت قال نعم والذي نفسي بيده إن فيها لأودية من كبريت لو أرسلت فيها الجبال الرواسي لماعت والخامسة فيها حيات جهنم وإن أفواهها كالأودية تلسع الكافر اللسعة فلا يبقى منه لحم على وضم والسادسة فيها عقارب جهنم وإن أدنى عقربة منها كالبغال الموكفة تضرب الكافر ضربة تنسيه ضربتها حر جهنم والسابعة
سقر وفيها إبليس مصفد بالحديد أمامه ويده من خلفه فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء من عباده أطلقه خرجه الحاكم في آخر المستدرك وقال تفرد به أبو السمح وقد ذكرت عدالته بنص الإمام يحيى بن معين والحديث صحيح ولم يخرجاه وقال بعض الحفاظ المتأخرين هو حديث منكر وعبد الله بن عياش القتباني ضعفه أبو داود وعند مسلم أنه ثقة ودراج كثير المناكير والله أعلم قلت رفعه منكر جدا ولعله موقوف وغلط بعضهم فرفعه وروى عطاء بن يسار عن كعب من قوله له نحو هذا الكلام أيضا وعن عبد العزيز بن أبي رواد قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلا هذه الآية قو أنفسكم
وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة [ التحريم 6 ] وعنده بعض أصحابه وفيهم شيخ فقال الشيخ يا رسول الله حجارة جهنم كحجارة الدنيا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده إن صخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا كلها فوقع الشيخ مغشيا عليه فوضع النبي صلى الله عليه وآلم وسلم يده على فؤاده فإذا هو حي فناداه قل لا إله إلا الله فقالها فبشره بالجنة فقال أصحابه يا رسول الله أمن بيننا قال نعم يقول الله تبارك وتعالى ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد [ ابراهيم 14 ] خرجه ابن أبي الدنيا |