قصص الانبياء - ابن كثير - زكريا و يحيى عليهما السلام
 
زكريا و يحيى عليهما السلام

قصة زكريا ويحيى عليهما السلام قال الله تعالى في كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم " كهيعص.
ذكر رحمة ربك عبده زكريا.
إذ نادى ربه نداء خفيا.
قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا.
وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا.
يا زكريا إنا نبشرك بغلام امسه يحيى لم نجعل له من قبل سميا.
قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا.
قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا.
قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا.
فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا.
يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا.
وحنانا من لدنا وزكاة
وكان تقيا.
وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا.
وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويم يبعث حيا " (1).
وقال تعالى: " وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك
__________
(1) سورة مريم.
(*)

سميع الدعاء.
فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين.
قال ربي أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتى عاقر ؟ قال كذلك الله يفعل ما يشاء.
قال رب اجعل لي آية، قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار (1) ".
وقال تعالى في سورة الانبياء: " وزكريا إذا نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين.
فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ".
وقال تعالى: " وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين (2) ".
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في كتابه التاريخ المشهور الحافل: زكريا بن برخيا ويقال زكريا بن دان، ويقال زكريا بن لدن بن مسلم بن صدوق بن حشبان (3) بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن برخيا ابن بلعاطة بن ناحور بن شلوم بن بهفاشاط بن إينامن بن رحيعام (2) بن سليمان بن داود، أبويحيى النبي عليه السلام من بني إسرائيل.
دخل البثنة من أعمال دمشق في طلب ابنه يحيى.
وقيل إنه كان بدمشق حين قتل ابنه يحيى والله أعلم.
وقد قيل غير ذلك في نسبه.
ويقال فيه زكريا بالمد وبالقصر.
ويقال زكرى أيضا.
والمقصود أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقص على
__________
(1) ا: ابن حنشبان (2) ا: رخيعم.
(2) سورة آل عمران 37 - 41 (3) سورة الانعام 85.
(*)

الناس خبر زكريا عليه السلام وما كان من أمره حين وهبه [ الله (1) ] ولدا على الكبر وكانت امرأته [ مع ذلك (2) ] عاقرا في حال شبيبتها وقد أسنت أيضا، حتى لا ييأس أحد من فضل الله ورحمته ولا يقنط من فضله تعالى " ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا ".
قال قتادة عند تفسيرها: إن الله يعلم القلب النقى ويسمع الصوت الخفى.
وقال بعض السلف: قام من الليل فنادى ربه مناداة أسرها عمن كان حاضرا عنده مخافته فقال: يا رب يا رب يا رب.
فقال الله: لبيك لبيك لبيك.
" قال رب إني وهن العظم مني " أي ضعف وخار من الكبر " واشتعل الرأس شيبا " استعارة من اشتعال النار في الحطب أي غلب على سواد الشعر شيبه كما قال ابن دريد في مقصورته: أما ترى رأسي حاكى لونه * طرة صبح تحت أذيال الدجا واشتعل المبيض في مسوده * مثل اشتعال النار في جمر الغضا وآض عود اللهم يبسا ذاويا * من بعد ما قد كان مجاج الثرى يذكر أن الضعف قد استحوذ عليه باطنا وظاهرا، وهكذا قال زكريا عليه السلام " إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ".
وقوله " ولم أكن بدعائك رب شقيا " أي ما عودتني فيما أسألك إلا الاجابة وكان الباعث له على هذه المسألة أنه لما كفل مريم بنت عمران ابن ما ثان، وكان كلما دخل عليها محرابها وجد عندها فاكهة في غير إبانها (3) ولا في أوانها وهذه من كرامات الاولياء، فعلم أن الرازق للشئ في غير
__________
(1) ليست في ا (2) من ا (3) المطبوعة: أوانها، وما أثبته عن ا.
(*)

أوانه قادر على أن يرزقه ولدا وإن كان قد طعن في سنه " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " وقوله: " وإني خفت الموالى من ورائي وكانت امرأتي عاقرا " قيل المراد بالموالى العصبة، وكأنه خاف من تصرفهم بعده في بني إسرائيل بما لا يوافق شرع الله وطاعته فسأل وجود ولد من صلبه يكون برا تقيا مرضيا ولهذا قال: فهب لي من لدنك " أي من عندك بحولك وقوتك " وليا يرثنى " [ أي في النبوة والحكم في بني إسرائيل (1) ] " ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا " يعني كما كان آباؤه وأسلافه من ذرية يعقوب أنبياء فاجعله مثلهم في الكرامة التي أكرمتهم بها من النبوة والوحى، وليس المراد هاهنا ورائة المال كما زعم ذلك من زعمه من الشيعة ووافقهم ابن جرير هاهنا وحكاه عن أبي صالح من السلف، لوجوه: أحدها: ما قدمناه عند قوله تعالى: " وورث سليمان داود " أي في النبوة والملك لما (2) ذكرنا في الحديث المتفق عليه بين العلماء المروى في الصحاح والمسانيد [ والسنن (1) ] وغيرها من طرق عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركنا فهو صدقة " فهذا نص على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يورث، ولهذا منع الصديق
أن يصرف ماكان يختص به في حياته إلى أحد من ورائه الذين لولا هذا النص لصرف إليهم، وهم ابنته فاطمة وأزواجه التسع وعمه العباس
__________
(1) ليست في ا.
(2) المطبوعة: كما.
وما أثبته من ا.
(*)

رضي الله عنهم، واحتج عليهم الصديق في منعه إياهم بهذا الحديث، وقد وافقه على روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب و عبد الرحمن ابن عوف وطلحة والزبير وأبو هريرة وآخرون رضي الله عنهم.
الثاني: أن الترمذي رواه بلفظ يعم سائر الانبياء: " نحن معاشر الانبياء لا نورث " وصححه.
الثالث: أن الدنيا كانت أحقر عند الانبياء من أن يكنزوا لها أو يلتفتوا إليها أو يهمهم أمرها حتى يسألوا الاولاد ليحوزوها بعدهم، فإن من لا يصل إلى قريب من منازلهم في الزهادة لا يهتم بهذا المقدار أن يسأل ولدا يكون وارثا له فيها.
الرابع: أن زكريا عليه السلام كان نجارا يعمل بيده ويأكل من كسبها، كما كان داود عليه السلام يأكل من كسب يده، والغالب ولا سيما من مثل حال الانبياء أنه لا يجهد نفسه في العمل إجهادا يستفضل منه ما لا يكون ذخيرة له يخلفه من بعده.
وهذا أمر بين واضح لكل من تأمله وتدبره وتفهمه إن شاء الله.
قال الامام أحمد: حدثنا يزيد، يعنى ابن هرون، أنبأنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: كان زكريا نجارا.
وهكذا رواه مسلم وابن ماجه من غير وجه، عن حماد بن سلمة به.
وقوله: " يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا "

وهذا مفسر بقوله: " فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ".
فلما بشر بالولد وتحقق البشارة شرع يستعلم على وجه التعجب وجود الولد له والحالة هذه " قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا " أي كيف يوجد ولد من شيخ كبير، قيل كان عمره إذ ذاك سبعا وسبعين سنة، والاشبه والله أعلم أنه كان أسن من ذلك " وكانت امرأتي عاقرا " يعنى وقد كانت امرأتي في حال شبيبتها عاقرا لا تلد.
والله أعلم.
كما قال الخليل: " أبشرتموني على أن مسنى الكبر فبم تبشرون " وقالت سارة: " يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب.
قالوا أتعجبين من أمر الله ؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ".
وهكذا أجيب زكريا عليه السلام قال له الملك الذي يوحى إليه بأمر ربه: " كذلك قال ربك هو علي هين " أي هذا سهل يسير عليه " وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " أي قدرته، أوجدتك بعد أن لم تكن شيئا مذكورا، أفلا يوجد منك ولدا وإن كنت شيخا ؟ ! وقال تعالى: " فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين "
ومعنى إصلاح زوجته أنها كانت لا تحيض فحاضت.
وقيل كان في لسانها شئ، أي بذاءة.

" قال رب اجعل لي آية " أي علامة على وقت تعلق مني المرأة بهذا الولد المبشر به " قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " يقول علامة ذلك أن يعتريك سكت لا تنطق معه ثلاثة أيام إلا رمزا وأنت في ذلك سوى الخلق صحيح المزاج معتدل البنية.
وأمر بكثرة الذكر في هذه الحال بالقلب واستحضار ذلك بفؤاده بالعشي والابكار، فلما بشر بهذه البشارة خرج مسرورا بها على قومه من محرابه (1) " فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا " والوحى هاهنا هو الامر الخفى إما بكتابة، كما قاله مجاهد والسدى، أو إشارة كما قاله مجاهد أيضا ووهب وقتادة.
قال مجاهد وعكرمة ووهب والسدى وقتادة، اعتقل لسانه من غير مرض.
وقال ابن زيد: كان يقرأ ويسبح ولكن لا يستطيع كلام أحد.
* * * وقوله تعالى: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا " يخبر تعالى عن وجود الولد وفق البشارة الالهية لابيه زكريا عليه السلام وأن الله علمه الكتاب والحكمة وهو صغير في حال صباه.
قال عبد الله بن المبارك: قال معمر: قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب.
فقال: ما للعب خلفنا.
قال: وذلك قوله " وآتيناه الحكم صبيا ".
وأما قوله: " وحنانا من لدنا " فروى ابن جرير عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لاأدرى ما الحنان.
وعن ابن عباس
__________
(1) ا: المحراب.
(*) (23 - قصص الانبياء)

ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك: " وحنانا من لدنا " أي رحمة من عندنا رحمنا بها زكريا فوهبنا له هذا الولد.
وعن عكرمة: " وحنانا " أي محبة عليه ويحتمل أن يكون ذلك صفة لتحنن يحيى على الناس ولا سيما على أبويه، وهو محبتهما والشفقة عليهما وبره بهما.
وأما الزكاة فهو طهارة الخلق وسلامته من النقائص والرذائل.
والتقوى طاعة الله بامتثال أوامره وترك زواجره.
ثم ذكر بره بوالديه وطاعته لهما أمرا ونهيا وترك عقوقهما قولا وفعلا فقال: " وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا " ثم قال: " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " هذه الاوقات الثلاثة أشد ما تكون على الانسان، فإنه ينتقل في كل منها من عالم إلى عالم آخر، فيفقد الاول بعد ما كان ألفه وعرفه ويصير إلى الآخر ولا يدرى ما بين يديه، ولهذا يستهل صارخا إذا خرج من بين الاحشاء وفارق لينها وضمها وينتقل إلى هذه الدار ليكابد همومها وغمها ! وكذلك إذا فارق هذه الدار وانتقل إلى عالم البرزخ بينها وبين دار القرار، وصار بعد الدور والقصور إلى عرصة الاموات سكان القبور، وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور، فمن مسرور ومحبور ومن محزون ومثبور، وما بين جبير وكسير وفريق في الجنة وفريق في السعير ! ولقد أحسن بعض الشعراء حيث يقول: ولدتك أمك باكيا مستصرخا * والناس حولك يضحكون سرورا
فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا * في يوم موتك ضاحكا مسرورا

ولما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما تكون على ابن آدم سلم الله على يحيى في كل موطن منها فقال: " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ".
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أن الحسن قال إن يحيى وعيسى التقيا، فقال له عيسى: استغفر لي أنت خير مني.
فقال له الآخر: استغفر لي أنت خير مني.
فقال له عيسى: أنت خير منى سلمت على نفسي وسلم الله عليك.
فعرف والله فضلهما.
وأما قوله في الآية الاخرى: " وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " فقيل المراد بالحصور الذي لا يأتي النساء.
وقيل غير ذلك، وهو أشبه لقوله " هب لي من لدنك ذرية طيبة ".
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أنبأنا على بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ليس يحيى بن زكريا، وما ينبغى لاحد يقول أنا خير من يونس بن متى ".
علي بن زيد بن جدعان تكلم فيه غير واحد من الائمة، وهو منكر الحديث.
وقد رواه ابن خزيمة والدار قطني من طريق أبي عاصم العباداني، عن علي بن زيد بن جدعان بن مطولا.
ثم قال ابن خزيمة: وليس على شرطنا.
وقال ابن وهب: حدثني ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه يوما وهم يتذاكرون

فضل الانبياء فقال قائل: موسى كليم الله.
وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته.
وقال: قائل إبراهيم خليل الله [ وهم يذكرون ذلك ] (1) فقال: أين الشهيد ابن الشهيد، يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب ! قال ابن وهب: يريد يحيى بن زكريا.
وقد رواه محمد بن إسحاق وهو مدلس، عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن سعيد بن المسيب، حدثني ابن العاص، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل ابن آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا.
فهذا من رواية ابن إسحاق وهو من المدلسين وقد عنعن هاهنا.
ثم قال عبد الرزاق: عن معمر، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب مرسلا.
ثم رأيت ابن عساكر ساقه من طريق أبي أسامة، عن يحيى بن سعيد الانصاري، ثم رواه ابن عساكر من طريق إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى خطيب دمشق، حدثنا محمد بن الاصبهاني، حدثنا أبو خالد الاحمر، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمرو قال: ما أحد إلا يلقى الله بذنب إلا يحيى بن زكريا.
ثم تلا " وسيدا وحصورا " ثم رفع شيئا من الارض فقال: ما كان معه إلا مثل هذا، ثم ذبح ذبحا ! وهذا موقوف من هذه الطريق وكونه موقوفا أصح من رفعه والله أعلم.
__________
(1) سقط من المطبوعة وأثبته من ا.
(*)

وأورده ابن عساكر من طرق عن معمر: من ذلك ما أورده من حديث إسحاق بن بشر، وهو ضعيف، عن عثمان بن ساج (1)، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
بنحوه.
وروى من طريق أبى داود الطيالسي وغيره، عن الحكم بن عبد الرحمن ابن أبي نعيم، عن أبيه، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة يحيى وعيسى عليهما السلام ".
وقال أبو نعيم الحافظ الاصبهاني: حدثنا إسحاق بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن يوسف، حدثنا أحمد بن أبي الحوارى، سمعت أبا سليمان يقول: خرج عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا يتماشيان، فصدم يحيى امرأة فقال له عيسى: يابن خالة لقد أصبت اليوم خطيئة ما أظن أنه يغفر لك أبدا قال: وما هي يابن خالة ؟ قال امرأة صدمتها.
قال: والله ما شعرت بها.
قال سبحان الله بدنك معى فأين روحك ؟ قال: معلق بالعرش ولو أن قلبى اطمأن إلى جبريل لظننت أنى ما عرفت الله طرفة عين.
فيه غرابة وهو من الاسرائيليات.
وقال إسرائيل عن أبي حصين، عن خيثمة، قال: كان عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ابني خالة وكان عيسى يلبس الصوف، وكان يحيى يلبس الوبر ولم يكن لواحد منهما دينار ولا درهم ولا عبد ولا أمة ولا مأوى يأويان إليه، أين ما جنهما الليل أويا، فلما أرادا أن يتفرقا قال يحيى:
__________
(1) المطبوعة ابن سباح.
محرفة.
(*)

أوصني.
قال: لا تغضب.
قال: لا أستطيع إلا أن أغضب قال لا (1) تقتن
مالا.
قال أما هذه فعسى.
* * * وقد اختلفت الرواية عن وهب بن منبه: هل مات زكريا عليه السلام موتا أو قتل قتلا ؟ علي روايتين فروى عبد المنعم بن إدريس بن سنان، عن أبيه، عن وهب بن منبه، أنه قال: هرب من قومه فدخل شجرة فجاءوا فوضعوا المنشار عليهما، فلما وصل المنشار إلى أضلاعه أن فأوحى الله إليه: لئن لم يسكن أنينك لاقلبن الارض ومن عليها.
فكن أنينه حتى قطع باثنتين.
وقد روى (2) هذا في حديث مرفوع سنورده بعد إن شاء الله.
وروى إسحق بن بشر، عن إدريس بن سنان، عن وهب أنه قال: الذي انصدعت له الشجرة هو شعيا، فأما زكريا فمات موتا فالله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، أنبأنا أبو خلف موسى بن خلف، وكان يعد من البدلاء، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده ممطور، عن الحارث الاشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وكاد أن يبطئ فقال له عيسى عليه السلام: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بنى إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن.
فقال: يا أخي إني
__________
(1) ا: فلا.
(2) ا: وقد ورد.
(*)

أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي.
قال: فجمع يحيى
بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلا المسجد فقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عزوجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن.
وأولهن: أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا، فإن مثل ذلك مثل من اشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده، فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك، وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا.
وآمركم بالصلاة فإن الله ينصب وجهه قبل عبده ما لم يلتفت فإذا صليتم فلا تلتفتوا.
وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك، وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال: هل لكم أن أفتدى نفسي منكم فجعل يفتدى نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه.
وآمركم بذكر الله عزوجل كثيرا، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في إثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عزوجل.
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا آمركم بخمس الله أمرنى بهن: بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله، فإن من خرج

عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربق الاسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من حثا جهنم.
قال: يا رسول الله وإن صام وصلى ؟ قال
وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، ادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عزوجل المسلمين المؤمنين عباد الله عزوجل.
وهكذا رواه أبو يعلى عن هدبة بن خالد، عن أبان بن يزيد، عن يحيى ابن أبي كثير به.
وكذلك رواه الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي وموسى بن إسماعيل، كلاهما عن أبان بن يزيد العطار به.
ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار، عن محمد بن شعيب بن سابور، عن معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن الحارث الاشعري به.
ورواه الحاكم من طريق مروان بن محمد الطاطرى، عن معاوية بن سلام، عن أخيه به.
ثم قال: تفرد به مروان الطاطرى، عن معاوية بن سلام.
قلت: وليس كما قال.
ورواه الطبراني عن محمد بن عبدة، عن أبي توبة الربيع بن نافع، عن معاوية بن سلام، عن أبي سلام، عن الحارث الاشعري، فذكر نحوه فسقط ذكر زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن الحارث الاشعري فذكر نحو هذه الرواية.
ثم روى الحافظ ابن عساكر من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: ذكر لنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سمعوا من علماء بني إسرائيل أن يحيى بن زكريا أرسل بخمس كلمات وذكر نحو ما تقدم.
وقد ذكروا أن يحيى عليه السلام كان كثير الانفراد من الناس، إنما

كان يأنس إلى البراري ويأكل من ورق الاشجار ويرد ماء الانهار ويتغذى بالجراد في بعض الاحيان، ويقول: من أنعم منك يا يحيى ! وروى ابن عساكر أن أبويه خرجا في تطلبه فوجداه عند بحيرة الاردن
فلما اجتمعا به أبكاهما بكاء شديدا لما هو فيه من العبادة والخوف من الله عزوجل.
وقال ابن وهب عن مالك، عن حميد بن قيس، عن مجاهد قال: كان طعام يحيى بن زكريا العشب، وإنه كان ليبكي من خشية الله حتى لو كان القار على عينيه لخرقه.
وقال محمد بن يحيى الذهلي: حدثنا الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: جلست يوما إلى أبي إدريس الخولانى وهو يقص فقال: ألا أخبركم بمن كان أطيب الناس طعاما ؟ فلما رأى الناس قد نظروا إليه قال: إن يحيى بن زكريا كان أطيب الناس طعاما ؟ إنما كان يأكل مع الوحش كراهة أن يخالط الناس في معايشهم.
وقال ابن المبارك عن وهيب بن الورد: قال: فقد زكريا ابنه يحيى ثلاثة أيام فخرج يلتمسه في البرية فإذا هو قد احتفر قبرا وأقام فيه يبكي على نفسه، فقال يا بني أنا أطلبك من ثلاثة أيام وأنت في قبر قد احتفرته قائم تبكي فيه ؟ فقال: يا أبت ألست أنت أخبرتني أن بين الجنة والنار مفازة لا تقطع إلا بدموع البكائين.
فقال له: ابك يا بني.
فبكيا جميعا.
وهكذا حكاه وهب بن منبه ومجاهد بنحوه.
وروى ابن عساكر عنه أنه قال: إن أهل الجنة لا ينامون للذة ما هم

فيه من النعيم، فكذا ينبغي للصديقين أن لا يناموا لما في قلوبهم من نعيم المحبة لله عزوجل ثم قال: كم بين النعيمين وكم بينهما.
وذكروا أنه كان كثير البكاء حتى أثر البكاء في خديه من كثرة دموعه.
بيان سبب قتل يحيى عليه السلام وذكروا في قتله أسبابا من أشهرها أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك فبقي في نفسها منه.
فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها استوهبت منه دم يحيى، فوهبه لها فبعثت إليه من قتله وجاء برأسه ودمه في طست إلى عندها فيقال إنها هلكت من فورها وساعتها.
وقيل بل أحبته امرأة ذلك الملك [ وراسلته (1) ] فأبى عليها، فلما يئست منه تحيلت في أن استوهبته من الملك، فتمنع عليها الملك ثم أجابها إلى ذلك فبعث من قتله وأحضر إليها رأسه ودمه في طست.
وقد ورد معناه في حديث رواه إسحاق بن بشر في كتابه المبتدأ حيث قال: أنبأنا يعقوب الكوفي، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به رأى زكريا في السماء فسلم عليه وقال له: يا أبا يحيى خبرني عن قتلك كيف كان ولم قتلك بنو إسرائيل ؟ قال: يا محمد أخبرك أن يحيى كان خير أهل
__________
(1) ليست في ا.
(*)

زمانه، وكان أجملهم وأصبحهم وجها، وكان كما قال الله تعالى: " سيدا وحصورا " وكان لا يحتاج إلى النساء فهويته امرأة ملك بني إسرائيل، وكانت بغية، فأرسلت إليه وعصمه الله وامتنع يحيى وأبى عليها فأجمعت على قتل يحيى ولهم عيد يجتمعون في كل عام، وكانت سنة الملك أن يعد ولا يخلف ولا يكذب.
قال: فخرج الملك إلى العيد فقامت امرأته فشيعته، وكان بها معجبا
ولم تكن تفعله فيما مضى، فلما أن شيعته قال الملك سلينى، فما سألتني شيئا إلا أعطيتك.
قالت: أريد دم يحيى بن زكريا.
قال لها سليني غيره.
قالت: هو ذاك قال: هو لك.
قال فبعثت جلاوزتها (1) إلى يحيى وهو في محرابه يصلى وأنا إلى جانبه أصلى، قال: فذبح في طست وحمل رأسه ودمه إليها.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بلغ من صبرك قال: ما انفلت من صلاتي.
قال: فلما حمل رأسه إليها فوضع بين يديها فلما أمسوا خسف الله بالملك وأهل بيته وحشمه، فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل: قد غضب إله زكريا، لزكريا فتعالوا حتى نغضب لملكنا فنقتل زكريا.
قال: فخرجوا في طلبي ليقتلوني وجاءني النذير، فهربت منهم وإبليس أمامهم يدلهم علي، فلما تخوفت أن لا اعجزهم عرضت لي شجرة فنادتني وقالت إلي إلي.
وانصدعت لي ودخلت فيها.
قال: وجاء إبليس حتى أخذ بطرف ردائي والتأمت الشجرة وبقي طرف ردائي خارجا من الشجرة، وجاءت بنو إسرائيل فقال إبليس: أما رأيتموه
__________
(1) الجلاوزة: (*)

دخل هذه الشجرة، هذا طرف ردائه دخلها بسحره.
فقالوا: نحرق هذه الشجرة.
فقال إبليس شقوه بالمنشار شقا.
قال: فشققت مع الشجرة بالمنشار.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل وجدت له مسا أو وجعا ؟ قال: لا إنما وجدت ذلك الشجرة التي جعل الله روحي فيها.
هذا سياق (1) غريب جدا وحديث عجيب ورفعه منكر، وفيه ما ينكر على كل حال، ولم ير في شئ من أحاديث السراء ذكر زكريا عليه
السلام إلا في هذا الحديث، وإنما المحفوظ في بعض ألفاظ الصحيح في حديث الاسراء: فمررت بابنى الخالة يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة [ فجاء ] (2) على قول الجمهور كما هو ظاهر الحديث، فإن أم يحيى أشياع بنت عمران أخت مريم بنت عمران.
وقيل بل أشياع وهي امرأة زكريا، أم يحيى هي أخت حنة امرأة عمران أم مريم، فيكون يحيى ابن خالة مريم فالله أعلم * ثم اختلف في مقتل يحيى بن زكريا هل كان في المسجد الاقصى أم بغيره (3) على قولين: فقال الثوري عن الاعمش عن شمر بن عطية قال قتل على الصخرة التي ببيت المقدس سبعون نبيا، منهم يحيى بن زكريا عليه السلام.
وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: قدم بختنصر
__________
(1) ا: إسناد.
(2) من ا (3) ا: أو.
(*)

دمشق فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلى، فسأل عنه فأخبروه، فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن.
وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب وهو يقتضي أنه قتل بدمشق وأن قصة بختنصر كانت (1) بعد المسيح كما قاله عطاء والحسن البصري.
فالله أعلم.
وروى الحافظ ابن عساكر من طريق الوليد بن مسلم، عن زيد بن واقد، قال: رأيت رأس يحيى بن زكريا حين أرادوا بناء مسجد دمشق أخرج من تحت ركن من أركان القبلة الذي يلى المحراب مما يلى الشرق، فكانت البشرة والشعر على حاله لم يتغير.
وفي رواية: كأنما قتل الساعة.
وذكر في بناء مسجد دمشق أنه جعل تحت العمود المعروف بعمود السكاسكة.
فالله أعلم.
[ وقد روى الحافظ ابن عساكر في المستقصى في فضائل الاقصى، من طريق العباس بن صبح، عن مروان، عن سعيد بن عبد العزيز، عن قاسم مولى معاوية، قال: كان ملك هذه المدينة يعني دمشق هداد بن هدار، وكان قد زوج ابنه بابنة أخيه أريل ملكة صيدا، وقد كان من جملة أملاكها سوق الملوك بدمشق وهو الصاغة العتيقة، قال: وكان قد حلف بطلاقها ثلاثا.
ثم إنه أراد مراجعتها فاستفتى يحيى بن زكريا فقال لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك، فحقدت عليه وسألت من الملك رأس يحيى بن زكريا، وذلك بإشارة أمها، فأبى عليها ثم أجابها إلى ذلك وبعث إليه وهو قائم يصلى بمسجد جبرون من أتاه برأسه في صينية،
__________
(1) ا: وأن بختنصر كان بعد المسيح.
(*)

فجعل الرأس يقول له لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره - فأخذت المرأة الطبق فحملته على رأسها وأتت به أمها وهو يقول كذلك، فلما تمثلت بين يدى أمها خسف بها إلى قدميها ثم إلى حقويها، وجعلت أمها تولول والجوارى يصرخن ويلطمن وجوههن، ثم خسف بها إلى منكبيها فأمرت أمها السياف أن يضرب عنقها لتتسلى برأسها، ففعل فلفظت الارض جثتها عند ذلك، ووقعوا في الذل والفناء، ولم يزل دم يحيى يفور حتى قدم بختنصر فقتل عليه خمسة وسبعين ألفا.
قال سعيد بن عبد العزيز: وهي دم كل نبي.
ولم يزل يفور حتى وقف عنده أرميا عليه السلام فقال: أيها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن
الله.
فسكن فرفع السيف وهرب من هرب من أهل دمشق إلى بيت المقدس فتبعهم إليها فقتل خلاق كثيرا لا يحصون كثرة وسبا منهم ثم رجع عنهم ] (1)
__________
(1) مسقط من ا.
(*)

 
 

Document sans titre
 

Warning: main() [function.main]: open_basedir restriction in effect. File(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) is not within the allowed path(s): (/mnt/110/sda/d/6/kutub) in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/024.php on line 284

Warning: main(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) [function.main]: failed to open stream: Operation not permitted in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/024.php on line 284

Warning: main() [function.include]: Failed opening '/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php' for inclusion (include_path='/mnt/110/sda/d/6/kutub/include:.:/usr/php4/lib/php') in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/024.php on line 284