قصص الانبياء - ابن كثير - نوح عليه السلام
 
نوح عليه السلام

قصة نوح عليه السلام
هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ - وهو إدريس - بن يرد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبى البشر عليه السلام.
وكان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة، فيما ذكره ابن جرير وغيره.
وعلى تاريخ أهل الكتاب المتقدم يكون بين مولد نوح وموت آدم مائة وست وأربعون سنة، وكان بينهما عشرة قرون كما قال الحافظ أبو حاتم ابن حبان في صحيحه: حدثنا محمد بن عمر بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، سمعت أبا سلام سمعت أبا أمامة: أن رجلا قال: يا رسول الله أنبى كان آدم ؟ قال: نعم مكلم.
قال: فكم كان بينه وبين نوح ؟ قال: عشرة قرون.
قلت: وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه.
وفى صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام.
فإن كان المراد بالقرن مائة سنة - كما هو المتبادر عند كثير من الناس - فبينهما ألف سنة لا محالة، لكن لا ينفى أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به ابن عباس بالاسلام، إذ قد يكون بينهما قرون أخر متأخرة

لم يكونوا على الاسلام، لكن حديث أبى أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون، وزادنا ابن عباس أنهم كلهم كانوا على الاسلام.
وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ وغيرهم من أهل الكتاب:
أن قابيل وبنيه عبدوا النار.
والله أعلم.
وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس كما في قوله تعالى: " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح " وقوله: " ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " وقال تعالى: " وقرونا بين ذلك كثيرا " وقال: " وكم أهلكناه قبلهم من قرن " وكقوله عليه السلام: " خير القرون قرنى..." الحديث، فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهور الطويلة، فعلى هذا يكون بين آدم ونوح ألوف من السنين.
والله أعلم.
وبالجملة فنوح عليه السلام إنما بعثه الله تعالى لما عبدت الاصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، فبعثه الله رحمة للعباد فكان اول رسول بعث إلى أهل الارض، كما يقول أهل الموقف يوم القيامة.
وكان قومه يقال لهم بنو راسب فيما ذكره ابن جبير وغيره.
واختلفوا في مقدار سنة يوم بعث، فقيل كان ابن خمسين سنة، وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة حكاها ابن جرير، وعزا الثالثة منها إلى ابن عباس.
* * *

وقد ذكر الله قصته وما كان من قومه، وما أنزل بمن كفر به من العذاب بالطوفان، وكيف أنجاه وأصحاب السفينة، في غير ما موضع من كتابه العزيز ; ففى الاعراف ويونس وهود والانبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات واقتربت، وأنزل فيه سورة كاملة.
فقال في سورة الاعراف: " لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم
اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إنى اخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قال الملا من قومه إيا لنراك في ضلال مبين.
قال يا قوم ليس بى ضلالة، ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون * أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون * فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين (1) ".
وقال تعالى في سورة يونس: " واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إلى ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر، إن أجرى إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين.
فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك، وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين (2) ".
__________
(1) الآيات: 59 - 64.
(2) الآيات: 72 - 74.
(*)

وقال تعالى في سورة هود: " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إنى لكم نذير مبين * أن لا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم أليم.
فقال الملا الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى، وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين.
قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى، وآتاني رحمة من
عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون * ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجرى إلا على الله، وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون * ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون * ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إنى ملك، ولا أقول للذين تزدرى اعينكم لن يؤتيهم الله خيرا، الله أعلم بما في أنفسهم إنى إذا لمن الظالمين.
قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين * ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم، إن كان الله يريد أن يغويكم، هو ربكم وإليه ترجعون * أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلى إجرامي وأنا برئ مما تجرمون.
واوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون * واصنع الفلك بأعيننا ووحينا، ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون.
ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه، قال: إن

تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم.
حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل.
وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربى لغفور رحيم * وهى تجرى بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل
يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوى إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين * وقيل يا أرض ابلعى ماءك وياسماء أقلعى، وغيض الماء وقضى الامر، واستوت على الجودى وقيل بعدا للقوم الظالمين.
ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من اهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح، فلا تسألن ما ليس لك به علم، إنى أعظك أن تكون من الجاهلين * قال رب إنى أعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم وإلا تغفر لى وترحمني أ كن من الخاسرين * قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمستهم منا عذاب أليم * تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين " (1).
__________
(1) الآيات: 26 - 50.
(*)

وقال تعالى في سورة الانبياء: " ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم * ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين (1) ".
وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون: " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون * فقال الملا الذى كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم، ولو شاء الله لانزل ملائكة، ما سمعنا بهذا في آبائنا الاولين *
إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين * قال رب انصرني بما كذبون * فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا، فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك، إلا من سبق عليه القول منهم، ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون * فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين * وقل رب أنزلنى منزلا مباركا وأنت خير المنزلين إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين (2) ".
وقال تعالى في سورة الشعراء: " كذبت قوم نوح المرسلين * إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون * إنى لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين * فاتقوا الله وأطيعون * قالوا أنؤمن لك واتبعك الارذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربى لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين * قالوا لثن لم تنته يا نوح
__________
(1) الآيتان: 27، 28.
(2) الآيات: 24 - 31.
(*)

لتكونن من المرجومين * قال رب إن قومي كذبون * فافتح بينى وبينهم فتحا ونجنى ومن معى من المؤمنين * فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " (1) وقال تعالى في سورة العنكبوت: " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون * فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين ".
وقال تعالى في سورة والصافات: " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه واهله من الكرب العظيم * وجعلنا ذريته هم الباقين * وتركنا عليه في الآخرين * سلام على نوح في العالمين * إنا كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * ثم أغرقنا الآخرين (2) " وقال تعالى في سورة اقتربت: " كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر * فدعا ربع أنى مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجرى بأعيننا جزاء لمن كان كفر * ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (3) ".
وقال تعالى: " بسم الله الرحمن الرحيم * إنا أرسنا نوحا إلى قومه
__________
(1) الآيات: 106 - 123 (2) الآيات.
76 - 83 (3) الآيات 10 - 17 (*)

أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم * قال يا قوم إنى لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون * يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجفل مسمى، إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون * قال رب إنى دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا * وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكبارا * ثم إنى دعوتهم جهارا * ثم إنى أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين،
ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا * ما لكم لا ترجون لله وقارا * وقد خلقكم أطوارا * ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا، وجعل الشمس سراجا * والله أنبتكم من الارض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا * والله جعل لكم الارض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا * قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا * ومكروا مكرا كبارا * وقالوا لا تذرن آلهتكم، ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا * وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا * مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا * وقال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا * رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل " م 6 - قصص الانبياء 1 "

بيتى مؤمنا، وللمؤمنين والمؤمنات، ولا تزد الظالمين إلا تبارا (1) " وقد تكلمنا على كل موضع من هذه في التفسير.
وسنذكر مضمون القصة مجموعا من هذه الاماكن المتفرقة، ومما دلت عليه الاحاديث والآثار.
وقد جرى ذكره أيضا في مواضع متفرقة من القرآن فيها مدحه وذم من خالفه، فقال تعالى في سورة النساء: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان، وآتينا داود زبورا * رسلا قد قصصناهم عليك من قبل، ورسلا لم نقصصهم عليك، وكلم الله موسى تكليما * رسلا مبشرين ومنذرين
لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (2) " وقال في سورة الانعام: " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل، ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون، وكذلك نجزى المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا، وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم (3) " الآيات.
وتقدمت قصته في الاعراف (4).
__________
(1) سورة نوح بتمامها.
(2) الآيات.
163 - 165 (3) الآيات: 84 - 88 (4) ا: قصة الاعراف (*)

وقال في سورة براءة: " ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات، فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (1) " وتقدمت قصته في يونس وهود.
وقال في سورة إبراهيم: " ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود، والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم، وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به، وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب (2) " وقال في سورة سبحان: " ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا (3) " وقال فيها أيضا: " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح،
وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا (4) ".
وتقدمت قصته في الانبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت.
وقال في سورة الاحزاب: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا (5) وقال في سورة ص: " كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الاوتاد * وثمود وقوم لوط وأصحاب الايكة أولئك الاحزاب * إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب (6) ".
__________
(1) الآية: 72 (2) الآية: 10 (3) الاسراء 3 (4) الاسراء 17.
(5) الآية 7 (6) الآيات: 11 - 13 (*)

وقال في سورة غافر: " كذبت قبلهم قوم نوح والاحزاب من بعدهم وهمت كل امة برسولهم ليأخذوه، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب * وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار (1) ".
وقال في سورة الشورى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه.
الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب (2) ".
وقال تعالى في سورة ق: " كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود * وعاد وفرعون وإخوان لوط * وأصحاب الايكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد (3) ".
وقال في الذاريات: " وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين (4) " وقال في النجم: " وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى (5) ".
وتقدمت قصته في سورة اقتربت الساعة.
وقال تعالى في سورة الحديد: " ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا فيث ذريتهما النبوة والكتاب ; فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون (6) ".
__________
(1) الآيتان 5: 6 (2) الآية: 12 (3) الآيات: 11 - 13 (4) الآية: 45 (5) الآية: 52 (6) الآية: 27 (*)

وقال تعالى في سورة التحريم: " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين، فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا، وقيل ادخلا النار مع الداخلين (1) ".
* * * وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذا من الكتاب والسنة والآثار، فقد قدمنا عن ابن عباس: أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام، رواه البخاري.
وذكرنا أن المراد بالقرن الجيل أو المدة على ما سلف.
ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الاصنام.
وكان سبب ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن جريح عن عطاء، عن ابن عباس عند تفسير قوله تعالى: " وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن
ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا (2) " قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التى كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وانتسخ (3) العلم عبدت.
قال ابن عباس: وصارت هذه الاوثان التى كانت في قوم نوح في العرب بعد.
__________
(1) الآية 10.
(2) سورة نوح (3) ا: ونسخ (*)

وهكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة ومحمد بن إسحاق.
وقال ابن جرير في تفسيره: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، عن سفيان، عن موسى، عن محمد بن قيس قال: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع (1) يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم.
فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر.
فعبدوهم.
وروى ابن أبى حاتم عن عروة ابن الزبير أنه قال: ود ويغوث ويعوق وسواع ونسر، أولا د آدم، وكان " ود " أكبرهم وأبرهم به.
قال ابن أبى حاتم: حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا الحسن بن موسى ; حدثنا يعقوب عن أبى المطهر، قال: ذكروا عند أبى جعفر - هو الباقر - وهو قائم يصلى يزيد بن المهلب، قال فلما انفتل من صلاته قال: ذكرتم يزيد بن المهلب، أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله تعالى.
قال ذكر ودا قال: كان رجلا صالحا (2)، وكان محببا في قومه، فلما مات
عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ثم قال: إنى أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به ؟ قالوا نعم.
فصور لهم مثله، قال: فوضعوه (3) في ناديهم وجعلوا يذكرونه.
فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أجعل في منزل كل واحد.
__________
(1) ا: تباع.
(2) أ: مسلما (3) أو وضعوه (*)

منكم تمثالا مثله ليكون له في بيته فتذكرونه ؟ قالوا نعم.
قال: فمثل لكل أهل بيت تمثالا مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به.
قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به.
قال: وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلها يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم، فكان اول ما عبد غير الله " ود " الصنم الذى سموه ودا.
ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس.
وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والازمان، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لها (1)، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عزوجل.
ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جدا قد ذكرناها في مواضعها من كتابنا التفسير.
ولله الحمد والمنة.
وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة، تلك الكنيسة التى رأينها بأرض الحبشة، ويقال لها مارية، وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها قال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا فيه تلك الصورة، أولئك شرار الخلق عند الله عزوجل ".
* * * والمقصود أن الفساد لما انتشر في الارض وعم البلاء بعبادة الاصنام فيها، بعث الله عبده ورسوله نوحا عليه السلام، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه.
__________
(1) ط: لهم (*)

فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الارض، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبى حيان، عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة، قال: " فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك ؟ الا ترى ما نحن فيه وما بلغنا ؟ فيقول: ربى [ قد (1) ] غضب غضبا شديدا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن شجرة فعصيت، نفسي نفسي.
اذهبوا إلى غيرى، اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الارض، وسماك الله عبدا شكورا، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما بلغنا ؟ ألا تشفع لنا إلى ربك عزوجل ؟ فيقول: ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، نفسي ينفسى " وذكر تمام الحديث بطوله كما أورده البخاري في قصة نوح.
فلما بعث الله نوحا عليه السلام، دعاهم إلى إفراد عبادة الله وحده لا شريك له، وألا يعبدوا معه صنما ولا تمثالا ولا طوغوتا وأن يعترفوا بوحدانيته، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، كما أمر الله تعالى من بعده
من الرسل الذين هم كلهم من ذريته، كما قال تعالى: " وجعلنا ذريته هم الباقين (2) ".
وقال فيه وفى إبراهيم " وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب " أي كل نبى من بعد نوح فمن ذريته.
وكذلك إبراهيم.
__________
(1) سقطت من ا.
(2) من سورة الصافات 79.
(*)

قال الله تعالى: " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقال تعالى: " واسأل من أرسنا قبلك من رسلنا، أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " وقال تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " ولهذا قال نوح لقومه: " اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " وقال: ألا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم اليم " وقال: " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون " وقال: " يا قوم إنى لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون " إلى: " وقد خلقكم أطوارا " الآيات الكريمات فذكر أنهم دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار، والسر والاجهار، بالترغيب تارة والترهيب أخرى، وكل هذا لم ينجح فيهم، بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الاصنام والاوثان.
ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به، وتوعدهم بالرجم والاخراج، ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم.
" قال الملا من قومه " أي السادة الكبراء منهم: " إنا لنراك في ضلال مبين ".
" قال يا قوم ليس بى ضلالة ولكني رسول من رب العالمين "
أي لست كما تزعمون من أنى ضال، بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين، أي الذى يقول لشئ كن فيكون " أبلغكم رسالات ربى

وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون ".
وهذا شأن الرسول أن يكون بليغا، أي فصيحا ناصحا، أعلم الناس بالله عزوجل.
وقالوا له فيما قالوا: " ما نراك إلا بشرا مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى، وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ".
تعجبوا أن يكون بشرا رسولا، وتنقصوا من اتبعه ورأوهم أراذلهم.
وقد قيل إنهم كانوا من أفناد الناس وهم ضعفاؤهم، كما قال هرقل: وهم أتباع الرسل، وما ذاك إلا لانه لامانع لهم من اتباع الحق.
وقولهم " بادى الرأى " أي بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية.
وهذا الذى رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه رضى الله عنهم: فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية ولا فكر ولا نظر، بل يجب اتباعه والانقياد له متى ظهر.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحا للصديق: " ما دعوت أحدا إلى الاسلام إلا كانت له كبوة غير أبى بكر، فإنه لم يتلعثم ".
ولهذا كانت بيعته يوم السقيفة أيضا سريعة من غير نظر ولا روية: لان أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة رضى الله عنهم.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الكتاب الذى أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه، قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر رضى الله عنه.

وقول كفرة قوم نوح له ولمن آمن به: " وما نرى لكم علينا من فضل " أي لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالايمان ولا مرية علينا " بل نظنكم كاذبين * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكوها وأنتم لها كارهون ".
وهذا تلطف في الخطاب معهم: وترفق بهم في الدعوة إلى الحق، كما قال تعالى: " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (1) " وقال تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتى هي أحسن (2) " وهذا منه.
يقول لهم: " أرأيتهم إن كنت على بينة من ربى وآتاني رحمة من عنده " أي النبوة والرسالة، " فعميت عليكم " أي فلم تفهموها ولم تهتدوا إليها، " أنلزمكموها " أي أنغصبكم بها ونجبركم عليها ؟ " وأنتم لها كارهون " أي ليس لى فيكم حيلة والحالة هذه.
" ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجرى إلا على الله " أي لست أريد منكم أجرة على إبلاغى إياكم ما ينفعكم في دنيا كم وأخراكم، إن أطلب ذلك إلا من الله الذى ثوابه خير لى، وأبقى مما تعطونني أنتم.
وقوله: " وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم، ولكني أراكم قوما تجهلون " كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك، فأبى عليهم ذلك وقال: " إنهم ملاقوا ربهم " أي فأخاف إن طردتهم أفلا تذكرون.
__________
(1) سورة طه 46 (2) سورة النحل 137 (*)

ولهذا لما سأل كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنه ضعفاء المؤمنين، كعمار وصهيب وبلال وخباب وأشباههم، نهاه الله عن ذلك، كما بيناه في سورتي الانعام والكهف.
" ولا أقول لكم عندي خرائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إنى ملك " أي بل أنا عبد رسول، لا أعلم من علم الله إلا ما أعلمني به، ولا أقدر إلا على ما أقدرنى عليه، ولا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله.
" ولا أقول للذين تزدرى أعينكم " يعنى من أتباعه " لن يؤتيهم الله خيرا، الله أعلم بما في أنفسهم إنى إذا لمن الظالمين " أي لا اشهد عليهم بأنهم لا خير لهم عند الله يوم القيامة، الله أعلم بهم وسيجازيهم على ما في نفوسهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، كما قالوا في المواضع الاخر: " أنؤمن لك واتبعك الارذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربى لو تشعرون * وما أنا بطارد المومنين * إن أنا إلا نذير مبين ".
* * * وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم كما قال تعالى: " فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون " أي ومع هذه المدة الطويلة فما آمن به إلا القليل منهم.
وكان كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الايمان به ومحاربته ومخالفته.
وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه، وصاه فيما بينه وبينه، ألا يؤمن بنوح أبدا ما عاش ودائما ما بقى.

وكانت سجاياهم تأبى الايمان واتباع الحق، ولهذا قال: " ولا يلدوا
إلا فاجرا كفارا ".
ولهذا: " قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جسدا لنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين " أي إنما يقدر على ذلك الله عزوجل، فإنه الذى لا يعجزه شئ ولا يكترثه أمر، بل هو الذى يقول للشئ كن فيكون.
" ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم، هو ربكم وإليه ترجعون " أي من يرد الله فتنته فلن يملك أحد هدايته، هو الذى يهدى من يشاء ويضل من يشاء، وهو الفعال لما يريد، وهو العزيز الحكيم، العليم بمن يستحق الهداية ومن يستحق الغواية، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
* * * " وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " تسلية له عما كان منهم إليه، " فلا تبتئس بما كانوا يفعلون " وهذه تعزية لنوح عليه السلام في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن، أي لا يسوأنك ما جرى فإن النصر قريب والنبأ [ عجب (1) ] عجيب.
" واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ".
__________
(1) من: ا (*)

وذلك أن نوحا عليه السلام لما يئس من صلاحهم وفلاحهم، ورأى أنهم لا خير فيهم، وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق، من فعال ومقال، دعا عليهم دعوة غضب [ الله عليهم (1) ] فلبى الله دعوته
وأجاب طلبته قال الله تعالى: " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ".
وقال تعالى: " ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ".
وقال تعالى " قال رب إن قوم كذبون * فافتح بينى وبينهم فتحا ونجنى ومن معى من المؤمنين " وقال تعالى: " فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر " وقال تعالى: " قال رب انصرني بما كذبون ".
وقال تعالى: " مما خطيأتهم أغرقوا فأدخلوا نارا * فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا * وقال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ".
فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم.
فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك، وهى السفينة العظيمة التى لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها مثلها.
وقدم الله تعالى إليه أنه إذا جاء أمره، وحل بهم بأسه الذى لا يرد عن القوم المجرمين، أنه لا يعاوده فيهم ولا يراجعه ; فإنه لعله قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم، فإنه ليس الخبر كالمعاينة.
ولهذا قال: " ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون.
__________
(1) من: ا (*)

" ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه " أي يستهزئون به استبعادا لوقوع ما توعدهم به، " قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون " أي نحن الذين نسخر منكم ونتعجب منكم في استمراركم على كفركم وعنادكم الذى يقتضى وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم.
" فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ".
وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا، وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضا أن يكون جاءهم رسول.
كما قال البخاري: حدثنا موسى بن إسمعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الاعمش، عن أبى صالح، عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجئ نوح عليه السلام وأمته، فيقول الله عزوجل هل بلغت ؟ فيقول: نعم أي رب.
فيقول لامته هل بلغكم ؟ فيقولون: لا ما جاءنا من نبى، فيقول لنوح: من يشهد لك ؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهد أنه قد بلغ " وهو قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا (1) ".
والوسط العدل.
فهذه الامة تشهد على شهادة نبيها الصادق المصدوق، بأن الله قد بعث نوحا بالحق، وأنزل عليه الحق وأمره به، وأنه بلغه إلى أمته على أكمل الوجوه وأتمها، ولم يدع شيئا مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به، ولا شيئا مما قد يضرهم إلا وقد نهاهم عنه، وحذرهم منه.
__________
(1) سورة البقرة 145 (*)

وهكذا شأن جميع الرسل، حتى إنه حذر قومه المسيح الدجال، وإن كان لا يتوقع خروجه في زمانهم ; حذرا عليهم وشفقة ورحمة بهم.
كما قال البخاري: حدثنا عبدان، حدثنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال سالم قال ابن عمر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأنثى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: " إنى
لانذركموه، وما من نبى إلا وقد أنذره قومه.
لقد أنذره نوح قومه، ولنى أقول لكم فيه قولا لم يقله نبى لقومه: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور ".
وهذا الحديث في الصحيحين أيضا من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الا أحدثكم عن الدجال حديثا ما حدث به نبى قومه ؟ إنه أعور، وإنه يجئ معه بمثال الجنة والنار والتى يقول عليها الجنة هي النار، وإنى أنذركم كما أنذر به نوح قومه ".
لفظ البخاري.
وقد قال بعض علماء السلف: لما استجاب الله له، أمره أن يغرس شجرا ليعمل منه السفينة، فغرسه وانتظره مائة سنة، ثم نجره في مائة أخرى، وقيل في أربعين سنة.
والله أعلم.
قال محمد بن إسحق عن الثوري: وكانت من خشب الساج، وقيل من الصنوبر وهو نص التوراة.

قال الثوري: وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعا، وأن يطلى ظاهرها وباطنها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤا (1) أزور يشق الماء.
وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعا.
وهذا الذى في التوراة على ما رأيته.
وقال الحسن البصري: ستمائة في عرض ثلاثمائة، وعن ابن عباس ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة ذراع وقيل كان طولها ألفى ذراع، وعرضها مائة ذراع.
قالوا كلهم: وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعا، وكانت ثلاث طبقات
كل واحدة عشرة أذرع، فالسفلى للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور.
وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.
* * * قال الله تعالى: " قال رب انصرني بما كذبون * فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا " أي بأمرنا لك، وبمرأى من الصنعتك لها، ومشاهدتنا لذلك، لنرشدك إلى الصواب في صنعتها.
فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم، ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون (2) ".
فتقدم إليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره وحل بأسه، أن
__________
(1) الجؤجؤ: صدر السفينة.
وفى ا جؤجا.
والازور: المائل.
(2) ا: بأن.
(م 7 - قصص الانبياء 1) (*)

يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات، وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها، وأن يحمل معه أهله، أي أهل بيته، إلا من سبق عليه القول منهم، أي إلا من كان كافرا فإنه قد نفذت فيه الدعوة التى لا ترد، ووجب عليه حلول البأس الذى لا يرد.
وأمر أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعانيه من العذاب العظيم، الذى قد حتمه عليهم الفعال لما يريد.
كما قدمنا بيانه قبل.
والمراد بالتنور عند الجمهور وجه الارض، أي نبعت الارض من
سائر أرجائها حتى نبعت التنانير التى هي محال النار.
وعن ابن عباس: التنور عين في الهند، وعن الشعبى بالكوفة، وعن قتادة بالجزيرة.
وقال على بن أبى طالب: المراد بالتنور فلق الصبح وتنوير الفجر، أي إشراقه وضياؤه.
أي عند ذلك فاحمل فيه من كل زوجين اثنين وهذا قول غريب.
وقوله تعالى " حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول، ومن آمن وما آمن معه إلا قليل " هذا أمر بأنه (1) عند حلول النقمة بهم أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين.
وفى كتاب أهل الكتاب: أنه أمر أن يحمل من كل ما يؤكل سبعة أزواج، وما لا يؤكل زوجين ذكر وأنثى.
__________
(1) ا: بأن.
(*)

وهذا مغاير لمفهوم قوله تعالى في كتابنا الحق: " اثنين " إن جعلنا ذلك مفعولا به ; وأما إن جعلناه توكيدا لزوجين والمفعول به محذوف فلا ينافى.
والله أعلم.
وذكر بعضهم - ويروى عن ابن عباس: أن أول ما دخل من الطيور الدرة (1)، وآخر ما دخل من الحيوانات الحمار.
ودخل إبليس متعلقا بذنب الحمار.
وقال ابن أبى حاتم: حدثنا أبى، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنى لليث، حدثنى هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لما حمل نوح في السفينة من
كل زوجين اثنين، قال أصحابه: وكيف نطمئن ؟ أو كيف تطمئن المواشى ومعنا الاسد ؟ فسلط الله عليه الحمى، فكانت أول حمى نزلت في الارض.
ثم شكوا الفأرة، فقالوا: الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا.
فأوحى الله إلى الاسد فعطس، فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها.
هذا مرسل (2).
وقوله: " وأهلك إلا من سبق عليه القول " أي من استجيبت فيهم الدعوة النافذة ممن كفر، فكان منهم ابنه " يام " الذى غرق كما سيأتي بيانه.
__________
(1) الدرة: ضرب من الببغاوات.
وفى الاصل: الذرة.
محرفة.
والتصويب من الحيوان للجاحظ 5 / 151.
(2) هذه خرافات لا تنتمي إلى العلم الصحيح، وأوهام ما كان ينبغى أن يلقى إليها ابن كثير بالا، ولكنه كان يسير على منهج الجمع مع بيان حالة ما يرويه.
(*)

" ومن آمن " أي واحمل فيها من آمن بك من أمتك.
قال الله تعالى: " وما آمن معه إلا قليل " هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم، ودعوتهم الاكيدة ليلا ونهارا بضروب المقال وفنون التلطفات والتهديد والوعيد تارة، والترغيب والوعيد أخرى.
وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة: فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم، وعن كعب الاحبار كانوا اثنين وسبعين نفسا.
وقيل كانوا عشرة.
وقيل إنما كانوا نوحا وبنيه الثلاثة وكنائنه الاربع بامرأة " يام "
الذى انخزل وانعزل، وسلك (1) عن طريق النجاة فما عدل إذ عدل.
وهذا القول فيه مخالفة لظاهر الآية، بل هي نص في أنه قد ركب معه [ من ] (2) غير أهله طائفة ممن آمن به، كما قال: " ونجنى ومن معى من المؤمنين ".
وقيل كانوا سبعة.
وأما امرأة نوح وهى أم أولاده كلهم: وهم حام وسام، ويافث، ويام، ويسميه أهل الكتاب كنعان وهو الذى قد غرق، وعابر، فقد ماتت قبل الطوفان، وقيل إنها غرقت مع من غرق، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها.
وعند أهل الكتاب أنها كانت في السفينة، فيحتمل أنها كفرت
__________
(1) ط: وتسلل.
(2) سقطت من ط.
(*)

بعد ذلك، أو أنها أنظرت ليوم القيامة.
والظاهر الاول لقوله: " ولا نذر على الارض من الكافرين ديارا ".
* * * قال الله تعالى: " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين * وقل رب أنزلنى منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ".
أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة، فنجاه بها وفتح بينه وبين قومه، وأقر عينه ممن خالفه وكذبه، كما قال تعالى: " والذى خلق الازواج كلها، وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه، وتقولوا
سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون (1) " وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الامور: أن يكون على الخير والبركة، وأن تكون عاقبتها محمودة، كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حين هاجر: " وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق، واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا (2) " وقد امتثل نوح عليه السلام هذه الوصية وقال: " اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسلها إن ربى لغفور رحيم " أي على اسم الله ابتداء
__________
(1) سورة الزخرف 12 - 14 (2) سورة الاسراء 80.
(*)

سيرها وانتهاؤه.
" إن ربى لغفور رحيم " أي وذو عقاب أليم، مع كونه غفورا رحيما، لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، كما أحل بأهل الارض الذين كفروا به وعبدوا غيره.
قال الله تعالى: " وهى تجرى بهم في موج كالجبال " وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطرا لم تعهده الارض قبله ولا تمطره بعده، كان كأفواه القرب، وأمر الارض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها.
كما قال تعالى: " فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر " (1).
والدسر المسامير " تجرى بأعيننا " أي بحفظنا وكلاءتنا وحراستنا ومشاهدتنا لها " جزاء لمن كان كفر ".
وقد ذكر ابن جرير وغيره: أن الطوفان كان في ثالث عشر من شهر آب في حساب القبط.
وقال تعالى: " إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية " أي السفينة
" لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ".
قال جماعة من المفسرين: ارتفع الماء على أعلى جبل في الارض (2) خمسة عشر ذراعا، وهو الذى عند أهل الكتاب.
وقيل ثمانين ذراعا، وعم جميع الارض طولها والعرض، سهلها وحزنها، وجبالها وقفارها ورمالها، ولم يبق على وجه الارض ممن كان بها من الاحياء عين تطرف، ولا صغير ولا كبير.
__________
(1) سورة اقتربت (2) ط: بالارض (*)

قال الامام مالك عن زيد بن أسلم: كان أهل ذلك الزمان قد ملاوا السهل والجبل.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لم تكن بقعة في الارض إلا ولها مالك وحائز.
رواهما ابن أبى حاتم.
" ونادى نوح ابنه وكان في معزل، يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوى إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المغرفين ".
وهذا الابن هو " يام " أخو سام وحام ويافث، وقيل اسمه كنعان.
وكان كافرا عمل عملا غير صالح، فخالف أباه في دينه ومذهبه، فهلك مع من هلك.
هذا وقد نجا مع أبيه الاجانب في النسب، لما كانوا موافقين في الدين والمدهب.
" وقيل يا أرض ابلعى ماءك وياسماء أقلعى، وغيض الماء وقضى الامر، واستوت على الجودى، وقيل بعدا للقوم الظالمين ".
أي لما فرغ من أهل الارض، ولم يبق بها (1) أحد ممن عبد غير الله
عزوجل، أمر الله الارض أن تبتلع (2) ماءها، وأمر السماء أن تقلع أي تمسك عن المطر، " وغيض الماء " أي نقص عما كان، " وقضى الامر " أي وقع بهم الذى كان قد سبق في علمه وقدره ; من إحلاله بهم ماحل بهم.
__________
(1) ط: منها.
(2) ا: تبلع.
(*)

" وقيل بعدا للقوم الظالمين " أي نودى عليهم بلسان القدرة: بعدا لهم من الرحمة والمغفرة.
كما قال تعالى: " فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين (1) ".
وقال تعالى: " فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين " (2).
وقال تعالى: " ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين (3) ".
وقال تعالى: " فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الحكيم (4) ".
وقال تعالى: " فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين " وقال تعالى: " ثم أغرقنا الآخرين ".
وقال: " ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (5) ".
وقال تعالى: " مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من
__________
(1) من سورة الاعراف 64 (2) من سورة يونس 73
(3) من سورة الانبياء 77 (4) من سورة الشعراء 119 - 122 (5) سورة القدر (*)

دون الله أنصارا * وقال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا (1) " وقد استجاب الله تعالى - وله الحمد والمنة - دعوته، فلم يبق منهم عين تطرف.
وقد روى الامامان أبو جعفر بن جرير وأبو محمد بن أبى حاتم في تقسيريهما من طريق يعقوب بن محمد الزهري، عن قائد مولى عبد الله ابن أبى رافع، أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبى ربيعة أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فلو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم أم الصبى ! ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة - يعنى إلا خمسين عاما - وغرس مائة سنة الشجر، فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم قطعها ثم جعلها سفينة، ويمرون عليه ويسخرون منه، ويقولون: تعمل سفينة في البر كيف تجرى ؟ قال: سوف تعلمون.
فلما فرغ ونبع الماء وصار السكك خشيت أم الصبى عليه وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا، فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبى ! ".
__________
(1) سورة نوح (*)

وهذا حديث غريب.
وقد روى عن كعب الاحبار ومجاهد وغير واحد، شبيه لهذه القصة.
وأخرى بهذا الحديث أن يكون موقوفا متلقى عن مثل كعب الاحبار.
والله أعلم.
* * * والمقصود أن الله لم يبق من الكافرين ديارا.
فكيف يزعم بعض المفسرين أن عوج بن عنق - ويقال ابن عناق - كان موجودا من قبل نوح إلى زمان موسى.
ويقولون كان كافرا متمردا جبارا عنيدا.
ويقولون كان لغير رشدة، بل ولدته أمه بنت آدم من زنا، وأنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشويه في عين الشمس، وأنه كان يقول لنوح وهو في السفينة: ما هذه القصعة التى لك ؟ ويستهزئ به.
ويذكرون أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلثا إلى غير ذلك من الهذيانات التى لولا أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس (1)، لما تعرضنا لحكايتها، لسقاطتها وركاكتها.
ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول.
أما المعقول: فكيف يسوغ فيه أن يهلك الله ولد نوح لكفره، وأبوه نبى الامة وزعيم أهل الايمان، ولا يهلك عوج بن عنق، ويقال عناق، وهو أظلم وأطغى على ما ذكروا ؟
__________
(1) الاصل: وأيام النام (*)

وكيف لا يرحم الله منهم أحدا ولا أم الصبى ولا الصبى، ويترك هذا
الدعى (1) الجبار العنيد الفاجر، الشديد الكافر، الشيطان المريد على ما ذكروا ؟ وأما المنقول فقد قال الله تعالى: " ثم أغرقنا الآخرين " وقال: " رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا ".
ثم هذا الطول الذى ذكروه مخالف لما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم لم يزل (2) الخلق ينقص حتى الآن ".
فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذى لا ينطق عن الهوى " إن هو إلا وحى يوحى " أنه لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، أي لم يزل الناس في نقصان في طولهم من آدم إلى يوم إخباره بذلك وهلم جرا إلى يوم القيامة.
وهذا يقتضى أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه.
فكيف يترك هذا ويذهل عنه، ويصار گلى أقوال الكذبة الكفرة من أهل الكتاب، الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأولوها ووضعوها على غير مواضعها ؟ فما ظنك بما هم يستقلون بنقله أو يؤتمنون عليه [ وهم الخونة والكذبة عليهم لعائن الله التابعة إلى يوم القيامة (3) ] وما أظن أن هذا الخبر عن عوج بن عناق إلا اختلاقا من بعض زنادقتهم وفجارهم الذين كانوا أعداء الانبياء.
والله أعلم.
* * *
__________
(1) ا: المدعى.
(2) ا: قزل.
(3) من ا.
(*)

ثم ذكر الله تعالى مناشدة نوح ربه في ولده، وسؤاله له عن غرفه على وجه الاستعلام والاستكشاف.
ووج السؤال: أنك وعدتني بنجاة أهلى معى وهو منهم وقد غرق ؟ فأجيب بأنه ليس من أهلك، أي الذين وعدت بنجاتهم.
أي أنا قلنا لك: " وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم " فكان هذا ممن سبق عليه القول منهم بأنه سيغرق بكفره، زولهذا ساقته الاقدار إلى أن انحاز عن حوزة أهل الايمان، فغرق مع حزبه أهل الكفر والطغيان.
ثم قال تعالى: " قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ".
هذا أمر لنوح عليه السلام لما نضب الماء عن وجه الارض، وأمكن السعي فيها والاستقرار عليها، أن يهبط من السفينة التى كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم على ظهر حبل الجودى، وهو جبل بأرض الجزيرة مشهور، " بسلام منا وبركات " أي اهبط سالما مباركا عليك، وعلى أمم ممن سيولد بعد، أي من أولادك، فإن الله لم يجعل لاحد ممن كان معه من المؤمنين نسلا ولا عقبا سوى نوح عليه السلام.
قال تعالى: " وجعلنا ذريته هم الباقين "، فكل من على وجه الارض اليوم من سائر أجناس بنى آدم، ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة وهم: سام، وحام، ويافث.
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن

الحسن، عن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم ".
ورواه الترمذي عن بشر بن معاذ العقدى، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة مرفوعا نحوه.
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وقد روى عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
قال: والمراد بالروم هنا الروم الاول وهم اليونان المنتسبون إلى رومى بن لبطى بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام.
ثم روى من حديث إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: ولد نوح ثلاثة: سام ويافث وحام، وولد كل واحد من هذه الثلاثة، فولد سام: العرب وفارس والروم.
وولد يافث: النرك والصقالبة ويأجوج ومأجوج.
وولد حام: القبط والسودان والبربر.
قلت وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا إبراهيم بن هانئ، وأحمد بن حسين بن عباد أبو العباس قالا: حدثنا محمد بن يزيد ابن سنان الرهاوى، حدثنى أبى عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولد لنوح: سام وحام ويافث، فولد لسام: العرب وفارس والروم والخير فيهم.
وولد ليافث: يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم.
وولد لحام: القبط والبربر والسودان ".

ثم قال: لا نعلم يروى مرفوعا إلا من هذا الوجه.
تفرد به محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه، وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه.
ورواه غيره عن يحيى بن سعيد مرسلا ولم يسنده، وإنما جعله من قول سعيد.
قلت: وهذا الذى ذكره أبو عمر، هو المحفوظ عن سعيد قوله،
وهكذا روى عن وهب بن منبه مثله والله أعلم.
ويزيد بن سنان أبو فروة الرهاوى ضعيف بمرة لا يعتمد عليه.
وقد قيل إن نوحا عليه السلام لم يولد له هؤلاء الثلاثة الاولاد إلا بعد الطوفان، وإنما ولد له قبل السفينة كنعان الذى غرق، وعابر مات قبل الطوفان.
والصحيح أن الاولاد الثلاثة كانوا معه في السفينة هم ونساؤهم وأمهم وهو نص التوراة.
وقد ذكر أن " حاما " واقع امرأته في السفينة، فدعا عليه نوح أن تشوه خلقة نطفته، فولد له ولد أسود وهو كنعان بن حام جد السودان.
وقيل بل رأى أباه نائما وقد بدت عورته فلم يسترها وسترها أخواه، فلهذا دعا عليه أن تغير نطفته، وأن يكون أولاده عبيدا لاخوته (1).
وذكر الامام أبو جعفر بن جرير من طريق على بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس أنه قال: قال الحواريون لعيسى بن
__________
(1) وهذا من خرافات القدماء، ولا يعول عليه.
(*)

مريم: لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها.
قال: فانطلق بهم حتى أتى إلى كثيب من تراب، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه، وقال: اتدرون ما هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: هذا كعب حام بن نوح.
قال: وضرب الكثيب بعصاه وقال: قم بإذن الله، فإذا هو قائم ينقض التراب عن رأسه قد شاب.
فقال له عيسى عليه السلام هكذا هلكت: قال لا، ولكني مت وأنا شاب، ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت.
قال: حدثنا عن سفينة نوح.
قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي
ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات: فطبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الانس، وطبقة فيها الطير.
فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله عزوجل إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل، فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا على الروث.
ولما وقع الفأر يخرز السفينة بقرضه، أوحى الله عزوجل نوح عليه السلام: أن اضرب بين عينى الاسد، فخرج من منخره سنور وسنورة فاقبلا على الفار.
فقال له عيسى: كيف علم نوح عليه السلام أن البلاد قد غرقت ؟ قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها، فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت.
قال: ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجلها، فعلم أن البلاد قد غرقت فطوقها الخضرة التى في عنقها، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان، فمن ثم تألف البيوت.
قال: فقالوا يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال: فقال له: عد بإذن الله.
فعاد ترابا.

وهذا أثر غريب جدا (1).
وروى علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلا معهم أهلوهم، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوما، وإن الله وجه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوما، ثم وجهها إلى الجودى فاستقرت عليه، فبعث نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بخبر الارض، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين، فعرف نوح أن الماء قد نضب، فهبط إلى
أسفل الجودى فابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها العربية.
وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض، فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم.
وقال قتادة وغيره: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب (2)، فساروا مائة وخمسين يوما واستقرت بهم على الجودى شهرا.
وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم.
وقد روى ابن جرير خبرا مرفوعا يوافق هذا، وأنهم صاموا يومهم ذلك.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو جعفر، حدثنا عبد الصمد بن حبيب الازدي، عن أبيه حبيب بن عبد الله، عن شبل، عن أبى هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال
__________
(1) بل هي أساطير مختلقة لا سبيل لها إلى الصحة.
(2) ومن أين لقتادة هذا العلم القديم، ومعلوم أن الشهور العربية إنما عرفها العرب بعد الطوفان بزمان بعيد.
(*)

ما هذا الصوم ؟ فقالوا: هذا اليوم الذى نجى الله فيه موسى وبنى إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا اليوم استوت فيه السفينة على الجودى، فصامه نوح وموسى عليهما السلام شكرا لله عزوجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " انا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم " وقال لاصحابه: " من كان منكم أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان منكم قد أصاب من غد أهله فليتم بقية يومه ".
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر، والمستغرب ذكر نوح أيضا.
والله أعلم.
وأما ما يذكره كثير من الجهلة أنهم أكلوا من فضول أزوادهم، ومن حبوب كانت معهم قد استصحبوها، وطحنوا الحبوب يومئذ، واكتحلوا بالاثمد لتقوية أبصارهم لما انهارت من الضياء بعد ما كانوا في ظلمة السفينة - فكل هذا لا يصح فيه شئ، وإنما يذكر فيه آثار منقطعة عن بنى إسرائيل لا يعتمد عليها ولا يقتدى بها.
والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: لما أراد الله أن يكف ذلك الطوفان - أرسل ريحا على وجه الارض، فسكن الماء وانسدت ينابيع الارض، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر، وكان استواء الفلك [ على الجودى (1) ] فيما يزعم أهل التوراة - في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه.
وفى أول يوم من الشهر العاشر رئيت رءوس الجبال.
فلما مضى بعد ذلك أربعون يوما فتح نوح كوة الفلك التى صنع فيها، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء
__________
(1) من ا (م 8 - قصص الانبياء 1) (*)

فلم يرجع إليه، فأرسل الحمامة فرجعت إليه لم يجد لرجلها موضعا، فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها، ثم مضت سبعة أيام ثم أرسلها لتنظر له ما فعل الماء فلم ترجع، فرجعت حين أمست وفى فيها ورق زيتونة، فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الارض.
ثم مكث سبعة أيام ثم أرسلها فلم ترجع إليه، فعلم نوح أن الارض قد برزت، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ودخل يوم واحد من الشهر الاول من سنة اثنين، برز وجه الارض، وظهر البر وكشف نوح غطاء الفلك.
وهذا الذى ذكره ابن إسحق هو بعينه مضمون سياق التوراة التى بايدى أهل الكتاب.
وقال ابن إسحق: وفى الشهر الثاني من سنة اثنين في ست وعشرين ليلة منه " قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ".
وفيما ذكر أهل الكتاب أن الله كلم نوحا قائلا له: اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك، وجميع الدواب التى معك، ولينموا وليكثروا (2) في الارض.
فخرجوا وابتنى نوح مذبحا لله عزوجل وأخذ من جميع الدواب الحلال والطير الحلال فذبحها قربانا إلى الله عزوجل وعهد الله إليه أن لا يعيد الطوفان على أهل الارض.
وجعل تذكارا لميثاقه (2) إليه القوس الذى في الغمام، وهو قوس قزح الذى روى عن
__________
(1) ط: وليكبروا (2) ا: وجعل تذكار ميثاق (*)

ابن عباس أنه أمام من الغرق.
قال بعضهم: فيه إشارة إلى أنه قوس بلا وتر، أي أن هذا الغمام لا يوجد منه طوفان كأول مرة.
وقد أنكرت طائفة من جهلة الفرس وأهل الهند وتوع الطوفان، واعترف به آخرون منهم وقالوا: إنما كان بأرض بابل ولم يصل إلينا.
قالوا: ولم نزل نتوارث الملك كابرا عن كابر، من لدن كيومرث - بعنون آدم - إلى زماننا هذا.
وهذا قاله من قاله من زنادقة المجوس عباد النيران وأتباع الشيطان.
وهذه سفسطة منهم وكفر فظيع وجهل بليغ، ومكابرة للمحسوسات، وتكذيب لرب الارض والسموات.
وقد أجمع أهل الاديان الناقلون عن رسل الرحمن، مع ما تواتر عند الناس في سائر الازمان، على وقوع الطوفان، وأنه عم جميع البلاد، ولم يبق الله أحدا من كفرة العباد ; استجابة لدعوة نبيه المؤيد المعصوم، وتنفيذا لما سبق في القدر المحتوم.
ذكر شئ من أخبار نوح نفسه عليه السلام قال الله تعالى: " إنه كان عبدا شكورا " (1).
قيل: إنه كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو أسامة، حدثنا زكريا بن أبى زائدة
__________
(1) من الآية: 3 من سورة الاسراء.
(*)

عن سعيد بن أبى بردة، عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الاكلة فيحمده عليها أبو يشرب الشربة فيحمده عليها ".
وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث [ أبى ] أسامة (1).
والظاهر أن الشكور هو الذى يعمل بجميع الطاعات القلبية والقولية والعملية ; فإن الشكر (2) يكون بهذا وبهذا كما قال الشاعر: أفادتكم النعماء منى ثلاثة * يدى ولساني والضمير المحجبا ذكر صومه عليه السلام وقال ابن ماجة: باب صيام نوح عليه السلام: حدثنا سهل بن أبى سهل حدثنا سعيد بن أبى مريم، عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن أبى فراس، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " صام نوح الدهر إلا يوم عيد الفطر ويوم الاضحى ".
وهكذا رواه ابن ماجة عن طريق عبد الله بن لهيعة بإسناده ولفظه.
وقد قال الطبراني: حدثنا أبوالزنباع روح بن فرج، حدثنا عمر بن خالد الحرانى، حدثنا ابن لهيعة، عن أبى قتادة، عن يزيد بن رباح أبى فراس، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والاضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر ".
__________
(1) سقطت من ط.
(2) ا: الشكور.
(*)

ذكر حجه عليه السلام وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبى، عن زمعة - هو ابن أبى صالح - عن سلمة بن دهران (1)، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتى وادى عسفان قال: " يا أبا بكر أي واد هذا ؟ " قال هذا وادى عسفان.
قال: " لقد مر بهذا نوح وهود وإبراهيم على بكران (2) لهم حمر خطمهم الليف، أزرهم العباء وأرديتهم النمار (3) يحجون البيت العتيق ".
فيه غرابة.
ذكر وصيته لولده عليه السلام قال الامام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن الصقعب بن زهير، عن زيد بن أسلم - قال حماد: أظنه عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيحان مزرورة بالديباج فقال: " ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس، أو قال: يريد أن يضع كل
فارس ابن فارس، ورفع كل راع ابن راع ".
قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال: " ألا أرى عليك لباس من لا يعقل ! " ثم قال: " إن نبى الله نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه: إنى قاص عليك وصية (4) ;
__________
(1) ط: وهرام.
(2) البكران: النوق الفتية (3) النمار: برود من صوف (4) ا: الوصية (*)

آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين: آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والارضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله.
ولو أن السموات السبع والارضين السبع كن حلقة مبهمة (1) ضمتهن لا إله إلا الله، وبسبحان الله وبحمده.
فإن بها صلات كل شئ، وبها يرزق الخلق.
وأنهاك عن الشرك والكبر " قال: يقلت - أو قيل - يا رسول الله، هذا الشرك قد عرفناه، فلما الكبر ؟ أن يكون لاحدنا نعلان حسنتان لهما شرا كان حسنان ؟ قال: " لا " قال: هو أن يكون لاحدنا حلة يلبسها ؟ قال " لا " قال: هو أن يكون لاحدنا دابة يركبها ؟ قال: " لا " قال: هو أن يكون لاحدنا أصحاب يجلسون إليه ؟ قال: " لا " قلت - أو قيل - يا رسول الله فما الكبر ؟ قال: " سفه الحق وغمط (2) الناس ".
وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه.
ورواه أبو القاسم الطبراني من حديث عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد ابن إسحق، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان في وصية نوح لابنه: أوصيك بخصلتين وأنهاك عن
خصلتين "، فذكر نحوه.
وقد رواه أبو بكر البزار عن إبراهيم بن سعيد، عن أبى معاوية الضرير عن محمد بن إسحق، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
والظاهر أنه عن عبد الله بن عمرو بن العاص، كما رواه أحمد والطبراني.
والله أعلم.
__________
(1) المبهمة: المصمتة.
(2) ا: وغمص (*)

ويزعم أهل الكتاب أن نوحا عليه السلام لما ركب [ في (1) ] السفينة - كان عمره ستمائة سنة.
وقدمنا عن ابن عباس مثله، وزاد: وعاش بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة، وفى هذا القول نظر.
ثم إن لم يمكن الجمع بينه وبين دلالة القرآن فهو خطأ محض.
فإن القرآن يقتضى أن نوحا مكث في قومه بعد البعثة وقبل الطوفان ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون.
ثم الله أعلم كم عاش بعد ذلك ؟ فإن كان ما ذكر محفوظا عن ابن عباس - من أنه بعث وله أربعمائة وثمانون سنة، وأنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة - فيكون قد عاش على هذا ألف سنة وسبعمائة وثمانين سنة.
وأما قبره عليه السلام: قروى ابن جرير والازرقي عن عبد الرحمن ابن سابط أو غسيره من التابعين مرسلا، أن قبر نوح عليه السلام بالمسجد الحرام.
وهذا أقوى وأثبت من الذى يذكره كثير من المتأخرين، من أنه ببلدة بالبقاع تعرف اليوم بكرك نوح، وهناك جامع قد بنى بسبب ذلك فيما ذكر.
والله أعلم.
__________
(1) من ا (2) ا: سبعمائة.
(*)

 
 

Document sans titre
 

Warning: main() [function.main]: open_basedir restriction in effect. File(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) is not within the allowed path(s): (/mnt/110/sda/d/6/kutub) in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/005.php on line 522

Warning: main(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) [function.main]: failed to open stream: Operation not permitted in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/005.php on line 522

Warning: main() [function.include]: Failed opening '/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php' for inclusion (include_path='/mnt/110/sda/d/6/kutub/include:.:/usr/php4/lib/php') in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/005.php on line 522