تاريخ الخلفاء - المستظهر بالله أبو العباس
 
المستظهر بالله أبو العباس


المستظهر بالله: أبو العباس أحمد بن المقتدي بالله.
ولد في شوال سنة سبعين وأربعمائة وبويع له عند موت أبيه وله ست عشرة سنة وشهران.
قال ابن الأثير: كان لين الجانب كريم الأخلاق يحب اصطناع الناس ويفعل الخير ويسارع في أعمال البر حسن الخط جيد التوقعات ولا يقاربه فيها أحد ويدل على فضل غزير وعلم واسع سمحاً جواداً محباً للعلماء والصلحاء ولم تصف له الخلافة بل كانت أيامه مضطربة كثيرة الحروب.

وفي هذه السنة من أيامه مات المستنصر العبيدي صاحب مصر وقام بعده ابنه المستعلي أحمد. وفيها أخذت الروم بلنسية.
وفي سنة ثمان وثمانين قتل أحمد خان صاحب سمرقند لأنه ظهر منه الزندقة فقبض عليه الأمراء وأحضروا الفقهاء فأفتوا بقتله فقتل لا رحمه الله وملكوا ابن عمه.
وفي سنة تسع وثمانين اجتمعت الكواكب السبعة سوى زحل في برج الحوت فحكم المنجمون بطوفان يقارب طوفان نوح فاتفق أن الحجاج نزلوا في دار المناقب فأتاهم السيل غرق أكثرهم.
وفي سنة تسعين قتل السلطان أرسلان أرغون بن ألب أرسلان السلجوقي صاحب خراسان فتملكها السلطان بركياروق ودانت له البلاد والعباد.
وفيها خطب للعبيدي بحلب وإنطاكية والمعرة وشيزر شهراً ثم أعيدت الخطبة العباسية.
وفيها جاءت الفرنج فأخذوا نيقية وهو أول بلد أخذوه ووصلوا إلى كفر طاب واستباحوا تلك النواحي فكان هذا أول مظهر الفرنج بالشام قدموا في بحر القسطنطينية في جمع عظيم وانزعجت الملوك والرعية وعظم الخطب فقيل: إن صاحب مصر لما رأى قوة السلجوقية واستيلاءهم على الشام كاتب الفرنج يدعوهم إلى المجيء إلى الشام ليملكوها وكثر النفير على الفرنج من كل جهة.
وفي سنة اثنتين وتسعين انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان.
وفيها أخذت الفرنج بيت المقدس بعد حصار شهر ونصف وقتلوا به أكثر من سبعين ألفاً منهم جماعة من العلماء والعباد والزهاد وهدموا المشاهد وجمعوا اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم وورد المستنفرون إلى بغداد فأوردوا كلاماً أبكى العيون واختلفت السلاطين فتمكنت الفرنج من الشام والأبيوردي في ذلك:
مزجنا دماء بالدموع السواجم ... فلم يبق منا عرصة للمراحم
وشر سلاح المرء دمع يفيضه ... إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
فإيهاً بني الإسلام إن وراءكم ... وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
أنائمة في ظل أمن وغبطة ... وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هبوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
فكم من دماء قد أبيحت؟ ومن دمى ... تواري حياء حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبا ... وسمر العوالي داميات اللهازم
يكاد لهن المستجن بطيبة ... ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى ... رماحهم والدين واهي الدعائم
ويجتنبون النار خوفاً من الردى ... ولا يحسبون العار ضربة لازم
أترضى صناديد الأعراب بالأذى ... وتغضي على ذل كماة الأعاجم
فليتهم إذا لم يذودوا حمية ... عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
وفيها خرج محمد بن ملكشاه على أخيه السلطان بركياروق فانتصر عليه فقلده الخليفة ولقبه غياث الدنيا والدين وخطب له ببغداد ثم جرت بينهما عدة وقعات.
وفيها نقل المصحف العثماني من طبرية إلى دمشق خوفاً عليه وخرج الناس لتلقيه فآووه في خزانة بمقصورة الجامع.
وفي سنة أربع وتسعين كثر أمر الباطنية بالعراق وقتلهم الناس واشتد الخطب بهم حتى كانت الأمراء يلبسون الدروع تحت ثيابهم وقتلوا الخلائق منهم الروياني صاحب البحر.
وفيها أخذ الفرنج بلد سروج وحيفا وأرسوف وقيسارية.
وفي سنة خمس وتسعين مات المستعلي صاحب مصر وأقيم بعده الآمر بأحكام الله منصور وهو طفل له خمس سنين.
وفي سنة ست وتسعين جرت فتن للسلطان فترك الخطباء الدعوة للسلطان واقتصروا على الدعوة للخليفة لا غير.
وفي سنة سبع وتسعين وقع الصلح بين السلطانين: محمد وبركياروق وسببه أن الحروب لما تطاولت بينهما وعم الفساد وصارت الأموال منهوبة والدماء مسفوكة والبلاد مخربة والسلطنة مطموعاً فيها وأصبح الملوك مقهورين بعد أن كانوا قاهرين دخل العقلاء بينهما في الصلح وكتبت العهود والأيمان والمواثيق وأرسل الخليفة خلع السلطنة إلى بركياروق وأقيمت له الخطبة ببغداد.

وفي سنة ثمان وتسعين مات السلطان بركياروق فأقام الأمراء بعده ولده جلال الدولة ملكشاه وقلده الخليفة وخطب له ببغداد وله دون خمس سنين فخرج عليه عمه محمد واجتمعت الكلمة عليه فقلده الخليفة وعاد إلى أصبهان سلطاناً متمكناً مهيباً كثير الجيوش.
وفيها كان ببغداد جدري مفرط مات فيه خلق من الصبيان لا يحصون وتبعه وباء عظيم.
وفي سنة تسع وتسعين ظهر رجل بنواحي نهاوند فادعى النبوة وتبعه خلق فأخذ وقتل.
وفي سنة خمسمائة أخذت قلعة أصبهان التي ملكها الباطنية وهدمت وقتلوا وسلخ كبيرهم وحشي جلده تبناً فعل ذلك السلطان محمد بعد حصار شديد فلله الحمد.
وفي سنة إحدى وخمسمائة رفع السلطان الضرائب والمكوس ببغداد وكثر الدعاء له وزاد في العدل وحسن السيرة.
وفي سنة اثنتين عادت الباطنية فدخلوا شيرز على حين غفلة من أهلها فملكوها وملكوا القلعة وأغلقوا الأبواب وكان صاحبها خرج يتنزه فعاد وأبادهم في الحال وقتل فيها شيخ الشافعية الروياني صاحب البحر قتله الباطنية في بغداد كما تقدم.
وفي سنة ثلاث أخذت الفرنج طرابلس بعد حصار سنين.
وفي سنة أربع عظم بلاء المسلمين بالفرنج وتيقنوا استيلاءهم على أكثر الشام وطلب المسلمون الهدنة فامتنعت الفرنج وصالحوهم بألوف دنانير كثيرة فهادنوا ثم غدروا لعنهم الله.
وفيها هبت بمصر ريح سوداء مظلمة أخذت بالأنفاس حتى لا يبصر الرجل يده ونزل على الناس رمل وأيقنوا بالهلاك ثم تجلى قليلاً وعاد إلى الصفرة وكان ذلك من العصر إلى ما بعد المغرب.
وفيها كانت ملحمة كبيرة بين الفرنج وبين ابن تاشفين صاحب الأندلس نصر فيها المسلمون وقتلوا وأسروا وغنموا ما لا يعبر عنه وبادت شجعان الفرنج.
وفي سنة سبع جاء مودود صاحب الموصل بعسكر ليقاتل ملك الفرنج الذي بالقدس فوقع بينهم معركة هائلة ثم رجع مودود إلى دمشق فصلى الجمعة يوماً في الجامع وإذا بباطني وثب عليه فجرحه فمات من يومه فكتب ملك الفرنج إلى صاحب دمشق كتاباً فيه: وإن أمه قتلت عميدها في يوم عيد في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها.
وفي سنة إحدى عشرة جاء سيل عرم غرق سنجار وسورها وهلك خلق كثير حتى إن السيل أخذ باب المدينة فذهب به عدة فراسخ واختفى تحت التراب الذي جره السيل وظهر بعد سنين وسلم طفل في سرير له حمله السيل فتعلق السرير بزيتونة وعاش وكبر.
وفيها مات السلطان محمد وأقيم بعده ابنه محمود وله أربع عشرة سنة.
وفي سنة اثنتي عشرة مات الخليفة المستظهر بالله في يوم الأربعاء الثالث والعشرين من ربيع الأول فكانت مدته خمساً وعشرين سنة وغسله ابن عقيل شيخ الحنابلة وصلى عليه ابنه المسترشد وماتت بعده بقليل جدته أرجوان والدة المقتدي.
قال الذهبي: ولا يعرف خليفة عاشت جدته بعده إلا هذا رأت ابنها خليفة ثم ابن ابنها ثم ابن ابن ابنها ومن شعر المستظهر:
أذاب حر الهوى في القلب ما جمدا ... لما مددت إلى رسم الوداع يداً
وكيف أسلك نهج اصطبار وقد ... أرى طرائق في مهوى الهوى قددا
إن كنت أنقض عهد الحب يا سكني ... من بعد هذا فلا عاينتكم أبداً
وللصارم البطائحي مدحاً:
أصبحت بالمستظهر بن المقتدي ... بالله ابن القائم بن القادر
مستعصماً أرجو نوال أكفه ... وبأن يكون على العشيرة ناصري
فيقر مع كبري قراري عنده ... ويفوز من مدحي بشعر سائر
فوقع المستظهر بجائزتين: بخير بين الصلة والانحدار والمقام والإدرار وقال السلفي: قال لي أبو الخطاب بن الجراح صليت بالمستظهر في رمضان فقرأت: " إن ابنك سرق " " يوسف: 81 " رواية رويناها عن الكسائي فبما سلمت قال: هذه قراءة حسنة فيها تنزيه أولاد الأنبياء عن الكذب.
مات في أيامه من الأعلام: أبو المظفر السمعاني ونصر المقدسي وأبو الفرج وشيذلة والروياني والخطيب التبريزي والكيا الهراسي والغزالي والشاشي الذي صنف له كتاب الحلية وسماه المستظهري والأبيوردي اللغوي.

 
 

Document sans titre
 

Warning: main() [function.main]: open_basedir restriction in effect. File(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) is not within the allowed path(s): (/mnt/110/sda/d/6/kutub) in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/kholafa/047.php on line 115

Warning: main(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) [function.main]: failed to open stream: Operation not permitted in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/kholafa/047.php on line 115

Warning: main() [function.include]: Failed opening '/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php' for inclusion (include_path='/mnt/110/sda/d/6/kutub/include:.:/usr/php4/lib/php') in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/kholafa/047.php on line 115