المعتصم بالله أبو إسحاق محمد بن الرشيد ولد سنة ثمانين ومائة كذا قال الذهبي وقال الصولي: في شعبان سنة ثمان وسبعين.
وأمه أم ولد من مولدات الكوفة اسمها ماردة وكانت أحظى الناس عند الرشيد.
روى عن أبيه وأخيه المأمون وروى عنه إسحاق الموصلي وحمدون ابن إسماعيل وآخرون. وكان ذا شجاعة وقوة وهمة وكان عرياً من العلم.
فروى الصولي عن محمد بن سعيد عن إبراهيم بن محمد الهاشمي قال كان مع المعتصم غلام في الكتاب يتعلم معه فمات الغلام فقال له الرشيد أبوه يا محمد مات غلامك قال نعم سيدي واستراح من الكتاب فقال: وإن الكتاب ليبلغ منك هذا دعوه لا تعلموه قال فكان يكتب ويقرأ قراءة ضعيفة.
وقال الذهبي: كان المعتصم من أعظم الخلفاء وأهيبهم لولا ما شان سؤدده بامتحان العلماء بخلق القرآن.
وقال نفطويه والصولي للمعتصم مناقب وكان يقال له المثمن لأنه ثامن الخلفاء من بني العباس والثامن من ولد العباس وثامن أولاد الرشيد وملك سنة ثمان عشرة وملك ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام ومولده سنة ثمان وسبعين وعاش ثمانياً وأربعين سنة وطالعه العقرب وهو ثامن برج وفتح ثمانية فتوح وقتل ثمانية أعداء وخلف ثمانية أولاد ومن الإناث كذلك ومات لثمان بقين من ربيع الأول.
وله محاسن وكلمات فصيحة وشعر لا بأس به غير أنه إذا غضب لا يبالي من قتل.
وقال ابن أبي دؤاد كان المعتصم يخرج ساعده إلي ويقول يا أبا عبد الله عض ساعدي بأكثر قوتك فأمتنع فيقول إنه لا يضرني فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلا عن الأسنان. وقال نفطويه: وكان من أشد الناس بطشاً كان يجعل زند الرجل بين إصبعيه فيكسره.
وقال غيره هو أول خليفة أدخل الأتراك الديوان.
وكان يتشبه بملوك الأعاجم ويمشي مشيهم وبلغت غلمانه الأتراك بضعة عشر ألفاً.
وقال ابن يونس: هجا دعبل المعتصم ثم نذر به فخاف وهرب حتى قدم مصر ثم خرج إلى المغرب والأبيات التي هجاه بها هذه:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة ... ولم يأتنا في ثامن منهم الكتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة ... غداة ثووا فيها وثامنهم كلب
وإني لأزهى كلبهم عنك رغبة ... لأنك ذو ذنب وليس له ذنب
لقد ضاع أمر الناس حيث يسوسهم ... وصيف وأشناس وقد عظم الخطب
وإني لأرجو أن ترى من مغيبها ... مطالع الشمس قد يغص بها الشرب
وهمك تركي عليه مهانة ... فأنت له أم وأنت له أب
بويع له بالخلافة بعد المأمون وفي شهر رجب سنة ثمان عشرة ومائتين فسلك ما كان المأمون عليه وختم به عمره من امتحان الناس بخلق القرآن فكتب إلى البلاد بذلك وأمر المعلمين أن يعلموا الصبيان ذلك وقاسى الناس منه مشقة في ذلك وقتل عليه خلقاً من العلماء وضرب الإمام أحمد بن حنبل وكان ضربه في سنة عشرين.
وفيها تحول المعتصم من بغداد وبني سر من رأى وذلك أنه اعتنى باقتناء الترك فبعث إلى سمرقند وفرغانة والنواحي في شرائهم وبذل فيهم الأموال وألبسهم أنواع الديباج ومناطق الذهب فكانوا يطردون خيلهم في بغداد ويؤذون الناس وضاقت بهم البلد فاجتمع إليه أهل بغداد وقالوا إن لم تخرج عنا بجندك حاربناك قال وكيف تحاربونني قالوا بسهام الأسحار قال لا طاقة لي بذلك فكان سبب بنائه سر من رأى وتحوله إليها.
وفي سنة ثلاث وعشرين غزا المعتصم الروم فأنكاهم نكاية عظيمة لم يسمع بمثلها الخليفة وشتت جموعهم وخرب ديارهم وفتح عمورية بالسيف وقتل منها ثلاثين ألفاً وسبى مثلهم وكان لما تجهز لغزوها حكم المنجمون أن ذلك طالع نحس وأنه يكسر فكان من نصره وظفره ما لم يخف فقال في ذلك أبو تمام قصيدته المشهورة وهي هذه:
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية أم أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
تخرصاً وأحاديثاً ملفقة ... ليست بعجم إذا عدت ولا عرب
مات المعتصم يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين وكان قد ذلل العدو بالنواحي ويقال إنه قال في مرض موته " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة " " الأنعام: 44 " ولما احتضر جعل يقول: ذهبت الحيلة فليس حيلة وقيل جعل يقول أوخذ من بين هذا الخلق وقيل إنه قال اللهم إنك تعلم أني أخافك من قبلي ولا أخافك من قبلك وأرجوك من قبلك ولا أرجوك من قبلي ومن شعره:
قرب النحام واعجل يا غلام ... واطرح السرج عليه واللجام
أعلم الأتراك أني خائض ... لجة الموت فمن شاء أقام
وكان قد عزم على المسير إلى أقصى الغرب ليملك البلاد التي لم تدخل في ملك بني العباس لاستيلاء الأموي عليها فروى الصولي عن أحمد بن الخصيب قال: قال لي المعتصم إن بني أمية ملكوا وما لأحد منا ملك وملكنا نحن ولهم بالأندلس هذا الأموي فقدر ما يحتاج إليه لمحاربته وشرع في ذلك فاشتدت علته ومات.
وقال الصولي سمعت المغيرة بن محمد يقول يقال إنه لم يجتمع الملوك باب أحد قط اجتماعها بباب المعتصم ولا ظفر ملك قط كظفره أسر ملك أذربيجان وملك طبرستان وملك استيسان وملك الشياصح وملك فرغانة وملك طخارستان وملك الصفة وملك كابل.
وقال الصولي: وكان نقش خاتمه الحمد الله الذي ليس كمثله شيء.
ومن أخبار المعتصم: أخرج الصولي عن أحمد اليزيدي قال لما فرغ المعتصم من بناء قصره بالميدان وجلس فيه دخل عليه الناس فعمل إسحاق الموصلي قصيدة فيه ما سمع أحد بمثلها في حسنها إلا أنه افتتحها بقوله:
يا دار غيرك البلى ومحاك ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك
فتطير المعتصم وتطير الناس وتغامزوا وتعجبوا كيف ذهب هذا على إسحاق مع فهمه وعلمه وطول خدمته للملوك وخرب المعتصم القصر بعد ذلك.
وأخرج عن إبراهيم بن العباس قال: كان المعتصم إذا تكلم بلغ ما أراد وزاد عليه.
وكان أول من ثرد الطعام وكثره حتى بلغ ألف دينار في اليوم.
وأخرج عن أبي العيناء قال: سمعت المعتصم يقول إذا نصر الهوى بطل الرأي.
وأخرج عن إسحاق قال: كان المعتصم يقول من طلب الحق بما له وعليه أدركه.
وأخرج عن محمد بن عمر الرومي قال: كان للمعتصم غلام يقال له عجيب لم ير الناس مثله قط وكان مشغوفاً به فعمل فيه أبياتاً ثم دعاني وقال: قد علمت أني دون أخوتي في الأدب لحب أمير المؤمنين لي وميلي إلى اللعب وأنا حدث فلم أنل ما نالوا وقد عملت في عجيب أبياتاً فإن كانت حسنة وإلا فاصدقني حتى أكتمها ثم أنشد شعراً:
لقد رأيت عجيبا ... يحكي الغزال الربيبا
الوجه منه كبدر ... والقد يحكي القضيبا
وإن تناول سيفاً ... رأيت ليثاً حريبا
وإن رمى بسهام ... كان المجيد المصيبا
طبيب ما بي من الحب ... فلا عدمت الطبيبا
إني هويت عجيباً ... هوى أراه عجيبا
فحلفت له بأيمان البيعة أنه شعر مليح من أشعار الخلفاء الذين ليسوا بشعراء فطابت نفسه وأمر لي بخمسين ألف درهم.
وقال الصولي: حدثنا عبد الواحد بن العباس الرياشي قال: كتب ملك الروم إلى المعتصم كتاباً يهدد فيه فلما قرئ عليه قال للكاتب اكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد قرأت كتابك وسمعت خطابك والجواب ما ترى لا ما تسمع وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار.
وأخرج الصولي عن الفضل اليزيدي قال وجه المعتصم إلى الشعراء ببابه من منكم يحسن أن يقول فينا كما قال منصور النمري في الرشيد:
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين الله معتصما ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
إن أخلف القطر لم تخلف فواضله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع
فقال أبو وهيب فينا من يقول خيراً منه فيك وقال:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
تحكي أفاعيله في كل نائبة ... الليث والغيث والصمصامة الذكر
ولما مات رثاه وزيره محمد بن عبد الملك جامعاً بين العزاء والهناء فقال:
قد قلت إذ غيبوك واصطفقت ... عليك أيد بالتراب والطين
اذهب فنعم الحفيظ كنت على ال ... دنيا ونعم الظهير للدين
ما يجبر الله أمة فقدت ... مثلك إلا بمثل هارون
حديث رواه المعتصم قال الصولي: حدثنا العلائي حدثنا عبد الملك الضحاك حدثني هاشم بن محمد حدثني المعتصم قال حدثني أبي الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى قوم من بني فلان يتبخترون في مشيهم فعرف الغضب في وجهه ثم قرأ " والشجرة الملعونة في القرآن " " الإسراء: 60 " فقيل له أي شجرة هي يا رسول الله حتى نجتثها فقال ليست بشجرة نبات إنما هم بنو أمية إذا ملكوا جاروا وإذا أؤتمنوا خانوا وضرب بيده على ظهر عمه العباس فقال: يخرج الله من ظهرك يا عم رجلا يكون هلاكهم على يده " .
قلت: الحديث موضوع وآفته العلائي.
وقال ابن عساكر: أنبأنا أبو القاسم على بن إبراهيم حدثنا عبد العزيز ابن أحمد حدثني علي بن الحسين الحافظ حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد ابن طالب البغدادي حدثنا ابن خلاد حدثنا أحمد بن محمد بن نصر الضبيعي حدثنا إسحاق بن يحيى بن معاذ قال كنت عند المعتصم أعوده فقلت أنت في عافية فقال كيف وقد سمعت الرشيد يحدث عن أبيه المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس مرفوعاً " من احتجم في يوم الخميس فمرض فيه مات فيه " .
قال ابن عساكر: سقط منه رجلان بين ابن الضبيعي وإسحاق ثم أخرجه من طريق أخرى عن الضبيعي عن أحمد بن محمد الليث عن منصور بن النضر عن إسحاق.
وممن مات في أيام المعتصم من الأعلام الحميدي شيخ البخاري وأبو نعيم الفضل بن دكين وأبو غسان المهدي وقالوا المقرئ وخلاد المقرئ وآدم ابن أبي إياس وعفان والقعنبي وعبدان المروزي وعبد الله بن صالح كاتب الليث وإبراهيم بن المهدي وسليمان بن حرب وعلي بن محمد المدائني وأبو عبيد القاسم بن سلام وقرة بن حبيب وعارم ومحمد بن عيسى الطباع الحافظ وأصبغ بن الفرج الفقيه المالكي وسعدويه الواسطي وأبو عمر الجرمي النحوي ومحمد بن سلام البيكندي وسنيد وسعيد بن كثير ابن عفير ويحيى بن يحيى التميمي وآخرون.
|