معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي الأموي أبو عبد الرحمن اسلم هو وأبوه يوم فتح مكة وشهد حنيناً وكان من المؤلفة قلوبهم ثم حسن إسلامه وكان أحد الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثلاث وستون حديثاً روى عنه من الصحابة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو الدرداء وجرير البجلي والنعمان بن بشير وغيرهم ومن التابعين ابن المسيب وحميد ابن عبد الرحمن وغيرهما.
وكان من الموصوفين بالدهاء والحلم وقد ورد في فضله أحاديث قلما تثبت.
أخرج الترمذي وحسنه عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية " اللهم اجعله هادياً مهدياً " .
وأخرج أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب " .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الكبير عن عبد الملك بن عمير قال: قال معاوية: ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معاوية إذا ملكت فأحسن " .
وكان معاوية رجلا طويلا أبيض جميلاً مهيباً وكان عمر ينظر إليه فيقول: هذا كسرى العرب وعن علي قال: لا تكرهوا إمرة معاوية فإنكم لو فقدتموه لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها وقال المقبري: تعجبون من دهاء هرقل وكسرى وتدعون معاوية وكان يضرب بحلمه المثل وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفاً في حلم معاوية.
قال ابن عون: كان الرجل يقول لمعاوية والله لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك فيقول: بماذا؟ فيقول بالخشب فيقول إذن نستقيم.
وقال قبيصة بن جابر: صحبت معاوية فما رأيت رجلا أثقل حلماً ولا أبطأ جهلا ولا أبعد أناة منه.
ولما بعث أبو بكر الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان فلما مات يزيد استخلفه على دمشق فأقره عمر ثم أقره عثمان وجمع له الشام كله فأقام أميراً عشرين سنة وخليفة عشرين سنة.
قال كعب الأحبار: لن يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية قال الذهبي: توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية قال: وصدق كعب فيما نقله فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة لا ينازعه أحد الأمر في الأرض بخلاف غيره ممن بعده فإنه كان لهم مخالف وخرج عن أمرهم بعض الممالك خرج معاوية على علي كما تقدم وتسمى بالخلافة ثم خرج علي الحسن فنزل له الحسن عن الخلافة فاستقر فيها من ربيع الأخر أو جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين فسمى هذا العام عام الجماعة لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد وفيه ولي معاوية مروان بن الحكم المدينة.
وفي سنة ثلاث وأربعين فتحت الرخج وغيرها من بلاد سجستان وودان من برقة وكور من بلاد السودان وفيها استخلف معاوية زياد بن أبيه وهي أول قضية غير فيها حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام ذكره الثعالبي وغيره.
وفي سنة خمس وأربعين فتحت القيقان.
وفي سنة خمسين فتحت قوهستان عنوة وفيها دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد فبايعوه وهو أول من عهد الخلافة لابنه وأول من عهد بها في صحته ثم إنه كتب إلى مروان بالمدينة أن يأخذ البيعة فخطب مروان فقال: إن أمير المؤمنين رأى أن يستخلف عليكم ولده يزيد سنة أبي بكر وعمر فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقال: بل سنة كسرى وقيصر إن أبا بكر وعمر لم يجعلاها في أولادهما ولا في أحد من أهل بيتهما.
ثم حج معاوية سنة إحدى وخمسين وأخذ البيعة لابنه فبعث إلى ابن عمر فتشهد وقال: أما بعد يا ابن عمر إنك كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك فيها أمير وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين أو تسعى في فساد ذات بينهم فحمد ابن عمر الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبناءهم فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين ولم أكن لأفعل وإنما أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم فقال يرحمك الله فخرج ابن عمر ثم أرسل إلى ابن أبي بكر فتشهد ثم أخذ في الكلام فقطع عليه كلامه وقال إنك لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله وإنا والله لا نفعل والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين أو لنعيدنها عليك جذعة ثم وثب ومضى فقال معاوية: اللهم أكفنيه بما شئت ثم قال على رسلك أيها الرجال لا تشرفن على أهل الشام فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت ثم كن بعد على ما بدا لك من أمرك ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: يا ابن الزبير إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل في آخر وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما وحملتهما على غير رأيهما فقال ابن الزبير إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها وهلم ابنك فلنبايعه أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع ونطيع؟ لا تجتمع البيعة لكما أبداً ثم راح فصعد معاوية المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار زعموا أن ابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير لن يبايعوا يزيد وقد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له فقال أهل الشام والله لا نرضى حتى يبايعوا له على رؤوس الأشهاد وإلا ضربنا أعناقهم فقال سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالشر لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم ثم نزل فقال الناس بايع ابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير وهم يقولون لا والله ما بايعنا فيقول الناس بلى وارتحل معاوية فلحق بالشام.
وعن ابن المنكدر: قال: قال ابن عمر حين بويع يزيد إن كان خيراً رضينا وإن كان بلاء صبرنا.
وأخرج الخرائطي في الهواتف عن حميد بن وهب قال كانت هند بنت عتبة بن ربيعة عند الفاكة بن المغيرة وكان من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن فخلا البيت ذات يوم فقام الفاكه وهند فيه ثم خرج الفاكه لبعض حاجاته وأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه فلما رأى المرأة ولى هارباً فأبصره الفاكه فانتهى إليها فضربها برجله وقال: من هذا الذي كان عندك قالت ما رأيت أحداً ولا انتيهت حتى أنبهتني فقال لها: الحقي بأهلك وتكلم فيها الناس فخلا بها أبوها فقال لها يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك فأنبئيني بذاك فإن يكن الرجل صادقاً دسست إليه من يقتله فتنقطع عنا المقالة وإن يكن كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن قال: فخلفت له بما كانوا يحلفون به في الجاهلية أنه كاذب عليها فقال عتبة للفاكه: إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف ومعهم هند ونسوة معها تأنس بهن فلما شارفوا البلاد تنكرت حال هند وتغير وجهها فقال لها أبوها: يا بنية إني قد أرى ما بك من تغير الحال وما ذاك إلا لمكروه عندك قالت: لا والله يا أبتاه وما ذاك لمكروه ولكني أعرف أنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب فلا آمنه أن يسمني بسيماء تكون على سبة في العرب فقال لها: إني سوف أختبره لك قبل أن ينظر في أمرك فصفر بفرسه حتى أدلى ثم أدخل في إحليله حبة من الحنطة وأوكأ عليها بسير وصبحوا الكاهن فنحر لهم وأكرمهم فلما تغدوا قال له عتبة: إنا قد جئناك في أمر وقد خبأت لك خبيئاً أختبرك به فأنظر ما هو؟ قال: برة في كمرة قال: أريد أبين من هذا قال حبة من بر في إحليل مهر فقال عتبة: صدقت أنظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يدنو من إحداهن ويضرب كتفها ويقول أنهضي حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال: انهضي غير رسحاء ولا زانية ولتلدين ملكاً يقال له معاوية فنظر إليها الفاكه فأخذ بيدها فنثرت يدها من يده وقالت إليك والله لأحرصن أن يكون ذلك من غيرك فتزوجها أبو سفيان فجاءت بمعاوية.
مات معاوية في شهر رجب سنة ستين ودفن بين باب الجابية وباب الصغير وقيل: إنه عاش سبعاً وسبعين سنة وكان عنده شيء من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلامة أظفاره فأوصى أن تجعل في فمه وعينيه وقال: افعلوا ذلك وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين.
فصل في نبذ من أخباره
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن جمهان قال: قلت لسفينة: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم قال: كذب بنو الزرقاء بل هم ملوك من أشد الملوك وأول الملوك معاوية.
وأخرج البيهقي وابن عساكر عن إبراهيم بن سويد الأرمني قال: قلت لأحمد بن حنبل: من الخلفاء؟ قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي قلت: فمعاوية؟ قال لم يكن أحق بالخلافة في زمان على من علي.
وأخرج السلفي في الطيوريات عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سألت أبي عن علي ومعاوية فقال اعلم أن علياً كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه عيباً فلم يجدوا فجاءوا إلى رجل قد حار به وقاتله فأطروه كياداً منهم له.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الملك بن عمير قال: قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية فقال من أنت قال جارية بن قدامة قال: وما عسيت أن تكون؟ هل أنت إلا نحلة قال لا تقل فقد شبهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق والله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب وما أمية إلا تصغير أمة.
وأخرج عن الفضل بن سويد قال: وفد من جارية بن قدامة على معاوية فقال له معاوية: أنت الساعي مع علي بن أبي طالب والموقد النار في شعلك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم؟ قال جارية يا معاوية دع عنك علياً فما أبغضنا عليا منذ أحببناه ولا غشناه منذ صحبناه قال ويحك يا جارية ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية قال أنت يا معاوية كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية قال لا أم لك قال: أم ما ولدتني إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين في أيدينا قال إنك لتهددني قال إنك لم تملكنا قسرة ولم تفتتحنا عنوة ولكن أعطيتنا عهوداً ومواثيق فإن وفيت لنا وفينا وإن ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا ورجالا مداداً وأدرعاً شداداً وأسنة حداداً فإن بسطت إلينا فتراً من غدر زلفنا إليك بباع من ختر قال معاوية لا أكثر الله في الناس أمثالك.
وأخرج عن أبي الطفيل عامر بن وائلة الصحابي أنه دخل على معاوية فقال له معاوية: ألست من قتله عثمان؟ قال: لا ولكني ممن حضره فلم ينصره قال: وما منعك من نصره قال لم تنصره المهاجرون والأنصار فقال معاوية أما لقد كان حقه واجباً عليهم أن ينصروه قال فما منعك يا أمير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام فقال معاوية أما طلبي بدمه نصرة له فضحك أبو الطفيل ثم قال أنت وعثمان كما قال الشاعر:
لا ألفينك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادا
وقال الشعبي: أول من خطب الناس قاعداً معاوية وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه أخرجه ابن أبي شيبة.
وقال الزهري: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية أخرجه عبد الرزاق في مصنفه.
وقال سعيد بن المسيب: أول من أحدث الأذان في العيد معاوية أخرجه ابن أبي شيبة وقال: أول من نقص التكبير معاوية أخرجه ابن أبي شيبة.
وفي الأوائل للعسكري قال: معاوية أول من وضع البريد في الإسلام وأول من اتخد الخصيان لخاص خدمته وأول من عبثت به رعيته وأول من قيل له السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمك الله وأول من اتخذ ديوان الخاتم وولاه عبيد الله بن أوس الغساني وسلم إليه الخاتم وعلى فصه مكتوب: لكل عمل ثواب واستمر ذلك في الخلفاء العباسيين إلى آخر وقت وسبب اتخاذه له أنه أمر لرجل بمائة ألف ففك الكتاب وجعله مائتي ألف فلما رفع الحساب إلى معاوية أنكر ذلك واتخذ ديوان الخاتم من يومئذ وهو أول من اتخذ المقصورة بالجامع وأول من أذن في تجريد الكعبة وكانت كسوتها قبل ذلك تطرح عليها شيئاً فوق شيء.
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن أخي الزهري قال: قلت للزهري من أول من استخلف في البيعة؟ قال: معاوية استخلفهم بالله فلما كان عبد الملك بن مروان استحلفهم بالطلاق والعتاق.
وأخرج العسكري في كتاب الأوائل عن سليمان بن عبد الله بن معمر قال: قدم معاوية مكة أو المدينة فأتى المسجد فقعد في حلقة فيها ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر فأقبلوا عليه وأعرض عنه ابن عباس فقال وأنا أحق بهذا الأمر من هذا المعرض وابن عمر فقال ابن عباس ولم التقدم في الإسلام أم سابقة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قرابة منه؟ قال لا ولكني ابن عم المقتول قال فهذا أحق به يريد أبن أبي بكر قال إن أباه مات موتاً قال فهذا أحق به يريد ابن عمر قال إن أباه قتله كافر قال فذاك أدحض لحجتك أن كان المسلمون عتبوا على ابن عمك فقتلوه.
وقال عبد الله بن محمد بن عقيل قدم معاوية المدينة فلقيه أبو قتادة الأنصاري فقال معاوية: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار قال: لم يكن لنا دواب قال: فأين النواضح؟ قال عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر ثم قال أبو قتادة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إنكم سترون بعدي أثرة قال معاوية فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر قال فاصبروا فبلغ ذلك عبد الرحمن بن حسان ابن ثابت فقال:
ألا أبغ معاوية بن حرب ... أمير المؤمنين نبا كلامي
فإنا صابرون ومنظروكم ... إلى يوم التغابن والخصام
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن جبلة بن سحيم قال: دخلت على معاوية بن أبي سفيان وهو في خلافته وفي عنقه حبل وصبي يقوده فقلت له يا أمير المؤمنين أتفعل هذا؟ قال يا لكع اسكت فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان له صبي فليتصاب له قال ابن عساكر غريب جداً.
وأخرج ابن أبي شيبة في المنصف عن الشعبي قال دخل شاب من قريش على معاوية فأغلظ عليه فقال له يا بن أخي أنهاك عن السلطان إن السلطان يغضب غضب الصبي ويأخذ أخذ الأسد.
وأخرج عن الشعبي قال: قال زياد استعملت رجلا فكثر خراجه فخشي أن أعاقبه فقير إلى معاوية فكتبت إليه إن هذا أدب سوء لمن قبلي فكتب إلي: أنه ليس ينبغي لي ولا لك أن نسوس الناس بسياسة واحدة: أن نلين جميعاً فتمرح الناس في المعصية أو نشتد جميعاً فنحمل الناس على المهالك ولكن تكون للشدة والفظاظة وأكون للين والرأفة.
وأخرج عن الشعبي قال سمعت معاوية يقول ما تفرقت أمة قط إلا ظهر أهل الباطل على أهل الحق إلا هذه الأمة.
وفي الطيوريات عن سليمان المخزومي قال أذن معاوية للناس إذناً عاماً فلما احتفل المجلس قال أنشدوني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه فسكتوا ثم طلع عبد الله بن الزبير فقال هذا مقوال العرب وعلامتها أبو خبيب قال مهيم قال أنشدني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه قال: بثلاث مائة ألف قال: وتساوي؟ قال أنت بالخيار وأنت واف كاف قال هات فأنشده للأفوه الأودي قال:
بلوت الناس قرناً بعد قرن ... فلم أر غير ختال وقال
قال صدق هيه قال:
ولم أر في الخطوب أشد وقعاً ... وأصعب من معاداة الرجال
قال صدق هيه قال:
وذقت مرارة الأشياء طراً ... فما طعم أمر من السؤال
قال: صدق ثم أمر له بثلاثمائة ألف.
وأخرج البخاري والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيره واللفظ له من طرق أن مروان خطب بالمدينة وهو على الحجاز من قبل معاوية فقال: إن الله قد أرى أمير المؤمنين في ولده يزيد رأياً حسناً وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر وفي لفظ سنة أبي بكر وعمر فقال عبد الرحمن بن أبي بكر سنة هرقل وقيصر إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده فقال مروان ألست الذي قال لوالديه أف لكما فقال عبد الرحمن ألست ابن اللعين الذي لعن أباك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة رضي الله عنها: كذب مروان ما فيه نزلت ولكن نزلت في فلان بن فلان ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان بعض من لعنه الله.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عروة قال: قال معاوية لا حلم إلا التجارب.
وأخرج ابن عساكر عن الشعبي قال: دهاة العرب أربعة معاوية وعمرو ابن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد فأما معاوية فللحلم والأناة وأما عمرو فللمعضلات وأما المغيرة فللمبادهة وأما زياد فللكبير والصغير.
وأخرج أيضاً عنه قال: كان القضاة أربعة والدهاة أربعة فأما القضاة فعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وأما الدهاة فمعاوية وعمرو ابن العاص والمغيرة وزياد.
وأخرج عن قبيصة بن جابر قال: صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت رجلا أقرأ لكتاب الله ولا أفقه في دين الله منه وصحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلا أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه وصحبت معاوية فما رأيت رجلا أثقل حلماً ولا أبطأ جهلا ولا أبعد أناة منه وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلا أنصع طرفاً ولا أحلم جليساً منه وصحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها.
وأخرج ابن عساكر عن حميد بن هلال أن عقيل بن أبي طالب سأل علياً فقال إني محتاج وإني فقير فأعطني فقال اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم فألح عليه فقال لرجل: خذ بيده وانطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل: دق هذه الأقفال وخذ ما في هذه الحوانيت قال تريد أن تتخذني سارقاً قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقاً أن آخذ أموال المسلمين فأعطيكها دونهم قال لأتين معاوية قال: أنت وذاك فأتى معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف ثم قال اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك به على وما أوليتك فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني أخبركم أني أردت علياً على دينه فاختار دينه وأني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه.
وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عقيلا دخل على معاوية فقال معاوية: هذا عقيل وعمه أبو لهب فقال عقيل هذا معاوية وعمته حمالة الحطب.
وأخرج ابن عساكر عن الأوزاعي قال دخل خريم بن فاتك على معاوية ومئزره مشمر وكان حسن الساقين فقال معاوية: لو كانت هاتان الساقان لامرأة فقال خريم في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين.
مات في أيام معاوية من الأعلام: صفوان بن أمية وحفصة وأم حبيبة وصفية وميمونة وسودة وجويرية وعائشة أمهات المؤمنين رضي الله عنهم ولبيد الشاعر وعثمان بن طلحة الحجبي وعمرو بن العاص وعبد الله بن سلام الحبر ومحمد بن مسلمة وأبو موسى الأشعري وزيد بن ثابت وأبو بكرة وكعب ابن مالك والمغيرة بن شعبة وجرير البجلي وأبو أيوب الأنصاري وعمران بن حصين وسعيد بن زيد وأبو قتادة الأنصاري وفضالة بن عبيد وعبد الرحمن ابن أبي بكر وجبير بن مطعم وأسامة بن زيد وثوبان وعمرو بن حزم وحسان بن ثابت وحكيم بن حزام وسعد بن أبي وقاص وأبو اليسر وقتم ابن العباس وأخوه عبيد الله وعقبة بن عامر وأبو هريرة سنة تسع وخمسين وكان يدعو اللهم إني أعوذ بك من رأس الستين وإمارة الصبيان فاستجيب له وخلائق آخرون رضي الله عنهم. |