باب ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام ممن لا يعلم وقت زمانهم على التعيين إلا أنهم بعد داود عليهما السلام وقبل زكريا ويحيى عليهما السلام فمنهم شعيا (1) بن أمصيا.
قال محمد بن إسحاق: وكان قبل زكريا ويحيى وهو ممن (2) بشر بعيسى ومحمد عليهما السلام.
وكان في زمانه ملك اسمه حزقيا على بني إسرائيل ببلاد بيت المقدس، وكان سامعا مطيعا لشعيا فيما يأمره به وينهاه عنه من المصالح، وكانت الاحداث قد عظمت في بني إسرائيل، فمرض الملك وخرجت في رجله قرحة، وقصد بيت المقدس ملك بابل في ذلك الزمان وهو سنحاريب.
قال ابن إسحاق: في ستمائة ألف راية.
وفزع الناس فزعا عظيما شديدا.
وقال الملك للنبي شعيا: ماذا أوحى الله إليك في أمر سنحاريب وجنوده ؟ فقال: لم يوح إلى فيهم شئ بعد ثم نزل عليه الوحى بالامر للملك حزقيا بأن يوصى ويستخلف على ملكه من يشاء، فإنه قد اقترب أجله.
فلما أخبره بذلك أقبل الملك على القبلة فصلى وسبح ودعا وبكى فقال وهو يبكى ويتضرع إلى الله عزوجل بقلب مخلص وتوكل وصبر: اللهم رب الارباب وإله الآلهة يا رحمن يا رحيم، يا من
__________
(1) في القاموس: وسعيا بن مصيا، نبي بشر بعيسى عليه السلام والشين لغة.
(2) ا: وهو الذي يشر.
(*)
لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرني بعلمي وفعلى وحسن قضائي على بني إسرائيل وذلك كله كان منك فأنت أعلم به من نفسي سرى وإعلاني لك.
قال: فاستجاب الله له ورحمه وأوحى الله إلى شعيا أن يبشره بأنه قد رحم بكاءه وقد أخر في أجله خمس عشر سنة وأنجاه من عدوه سنحاريب فلما قال له ذلك ذهب منه الوجع وانقطع عنه الشر والحزن وخر ساجدا وقال في سجوده: اللهم أنت الذي تعطى الملك من تشاء وتنزعه ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، عالم الغيب والشهادة، فأنت الاول والآخر والظاهر والباطن وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين.
فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعيا [ أن يأمره (1) ] أن يأخذ ماء التين فيجعله على قرحته فيشفى ويصبح قد برئ.
ففعل ذلك فشفى.
وأرسل الله على جيش سنحاريب الموت فأصبحوا وقد هلكوا كلهم سوى سنحاريب وخمسة من أصحابه منهم بختنصر فأرسل ملك بني إسرائيل فجاء بهم فجعلهم في الاغلال وطاف بهم في البلاد على وجه التنكيل بهم والاهانة لهم سبعين يوما، ويطعم كل واحد منهم كل يوم رغيفين من شعير، ثم أودعهم السجن وأوحى الله تعالى إلى شعيا أن يأمر الملك بإرسالهم إلى بلادهم لينذروا قومهم ما قد حل بهم، فلما رجعوا جمع سنحاريب قومه وأخبرهم بما قد كان من أمرهم فقال له السحرة والكهنة: إنا أخبرناك عن شأن ربهم وأنبيائهم فلم تطعنا، وهي أمة لا يستطيعها أحد من ربهم فكان أمر سنحاريب مما خوفهم الله به.
ثم مات سنحاريب بعد سبع سنين.
__________
(1) سقطت من ا.
(*)
قال ابن إسحاق: ثم لما مات حزقيا ملك بني إسرائيل مرج أمرهم واختلطت أحداثهم، وكثر شرهم، فأوحى الله تعالى إلى شعيا فقام فيهم فوعظهم وذكرهم وأخبرهم عن الله بما هو أهله وأنذرهم بأسه وعقابه إن خالفوه وكذبوه.
فلما فرغ من مقالته عدوا عليه وطلبوه ليقتلوه، فهرب منهم فمر بشجرة فانفلقت له فدخل فيها وأدركه الشيطان فأخذ بهدبة ثوبه فأبرزها فلما رأوا ذلك جاءوا بالمنشار فوضعوه على الشجرة فنشروها ونشروه معها، فإنا لله وإنا إليه راجعون (1).
__________
* (1) وهذا من الاسرائيليات التي لا سند لها من الروايات الاسلامية، فلا تصدق ولا تكذب إلا إن خالفت الحق.
(*)
ومنهم أرميا بن حلقيا من سبط لاوى بن يعقوب وقد قيل إنه الخضر.
رواه الضحاك عن ابن عباس.
وهو غريب وليس بصحيح.
قال ابن عساكر: جاء في بعض الآثار أنه وقف على دم يحيى بن زكريا وهو يفور بدمشق فقال: أيها الدم فتنت الناس فاسكن.
فسكن ورسب حتى غاب.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن أبي مريم، عن أحمد ابن حباب، عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: قال أرميا: أي رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال: أكثرهم لي ذكرا، الذين يشتغلون بذكرى عن ذكر الخلائق، الذين لا تعرض لهم وساوس الفناء ولا يحدثون
أنفسهم بالبقاء، الذين إذا عرض لهم عيش الدنيا قلوه وإذا زوى عنهم سروا بذلك، أولئك أنحلهم محبتى وأعطيهم فوق غاياتهم.
ذكر خراب بيت المقدس وقوله تعالى: " وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل أن لا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا.
وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا.
فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا.
ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا.
إن أحسنتم أحسنتم لانفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا.
عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " وقال وهب بن منبه: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له أرميا حين ظهرت فيهم المعاصي: أن قم بين ظهراني قومك فأخبرهم أن لهم قلوبا ولا يفقهون، وأعينا ولا يبصرون وآذانا ولا يسمعون وإني تذكرت صلاح آبائهم فعطفني ذلك على أبنائهم.
فسلهم كيف وجدوا غب طاعتي، وهل سعد أحد ممن عصاني بمعصيتي، وهل شقى أحد ممن أطاعني بطاعتي ؟ إن الدواب تذكر أوطانها فتنزع إليها وإن هؤلاء القوم تركوا الامر الذي أكرمت عليه آباءهم والتمسوا الكرامة من غير وجهها، أما أحبارهم فأنكروا حقى وأما قراؤهم فعبدوا غيري، وأما نساكهم فلم ينتفعوا بما علموا، وأما ولاتهم فكذبوا علي وعلى
رسلي، خزنوا المكر في قلوبهم وعودوا الكذب ألسنتهم [ وإني أقسم بجلالي وعزتي لاهيجن عليهم جيولا لا يفقهون ألسنتهم (1) ] ولا يعرفون وجوههم ولا يرحمون بكاءهم، ولابعثن فيهم ملكا جبارا قاسيا له عساكر كقطع السحاب ومواكب كأمثال الفجاج كأن خفقان راياته طيران النسور وكأن حمل فرسانه كر العقبان يعيدون العمران خرابا ويتركون القرى وحشة، فياويل إيليا وسكانها كيف أذللهم للقتل وأسلط عليهم السبا وأعيد بعد لجب الاعراس صراخا، وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب، وبعد شرفات القصور مساكن السباع وبعد ضوء السرج وهج العجاج وبالعز الذل (2) وبالنعمة العبودية وأبدلن نساءهم بعد الطيب التراب، وبالمشى على الزرابى الخبب، ولاجعلن أجسادهم زبلا للارض وعظامهن ضاحية للشمس، ولادوسنهم بألوان العذاب، ثم لآمرن السماء فتكون طبقا من حديد والارض سبيكة من نحاس فإن أمطرت لم تنبت الارض، وإن أنبتت شيئا في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم، ثم أحبسه في زمان الزرع وأرسله في زمان الحصاد فإن زرعوا في خلال ذلك شيئا سلطت عليه الآفة فإن خلص منه شئ نزعت منه البركة، فإن دعوني لم أجبهم، وإن سألوا لم أعطهم، وإن بكوا لم أرحمهم، وإن تضرعوا صرفت وجهي عنهم.
رواه ابن عساكر بهذا اللفظ.
وقال إسحاق بن بشر: أنبأنا إدريس، عن وهب بن منبه، قال إن الله تعالى لما بعث أرميا إلى بني إسرائيل وذلك حين عظمت الاحداث
__________
(1) سقطت من ا (2) ط: وبالعز ذلا.
(*)
فيهم فعملوا بالمعاصي وقتلوا الانبياء طمع بختنصر فيهم وقذف الله في قلبه وحدث نفسه بالمسير إليهم لما أراد الله أن ينتقم به منهم فأوحى الله إلى أرميا: إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم فقم على صخرة بيت المقدس يأتيك أمري ووحيى.
فقام أرميا فشق ثيابه وجعل الرماد على رأسه وخر ساجدا وقال: يا رب وددت أن أمي لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل فيكون خراب بيت المقدس وبوار بني إسرائيل من أجلي.
فقال له ارفع رأسك.
فرفع رأسه فبكى ثم قال: يا رب من تسلط عليهم ؟ فقال: عبدة النيران لا يخافون عقابي ولا يرجون ثوابي قم يا أرميا فاستمع وحيى أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل: من قبل أن أخلقك اخترتك، ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتك.
ومن قبل أن تبلغ نبأتك، ومن قبل أن تبلغ الاشد اخترتك (1) ولامر عظيم اجتبيتك، فقم مع الملك تسدده وترشده فكان مع الملك يسدده (2) ويأتيه الوحى من الله حتى عظمت الاحداث ونسوا ما نجاهم الله به من عدوهم سنحاريب وجنوده فأوحى الله إلى أرميا: قم فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتي عليهم وعرفهم أحداثهم.
فقال أرميا: يا رب إني ضعيف إن لم تقوني عاجز إن لم تبلغني مخطئ إن لم تسددنى، مخذول إن لم تنصرني ذليل إن لم تعزني.
فقال الله تعالى: أو لم تعلم أن الامور كلها تصدر عن مشيئتي وأن الخلق والامر كله لي، وأن القلوب والالسنة (3) كلها بيدي فأقلبها كيف شئت [ فتطيعني (4) ] فأنا الله الذي ليس شى، مثلي، قامت
__________
(1) في تاريخ الطبري 658 ط أوربا: " اختبرتك ".
(2) كذا في ط وفي ا: فكان يرشده ويأتيه الوحى.
(3) الطبري: والالسن.
(4) ليست في ا.
(*)
السموات والارض وما فيهن بكلمتي، وإنه لا يخلص التوحيد ولم تتم القدرة إلا لي، ولا يعلم ما عندي غيرى، وأنا الذي كلمت البحار ففهمت قولي وأمرتها ففعلت أمرى، وحددت عليها حدودا فلا تعدو حدى، وتأتى بأمواج كالجبال فإذا بلغت حدى ألبستها مذلة لطاعتي وخوفا واعترافا لامري (1)، وإني معك ولن يصل إليك شئ معى، وإني بعثتك إلى خلق عظيم من خلقي لتبلغهم رسالاتي فتستوجب لذلك أجر من اتبعك ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
انطلق إلى قومك فقم فيهم وقل لهم إن الله [ قد (1) ] ذكركم بصلاح آبائكم فلذلك استبقاكم، يا معشر أبناء الانبياء، وكيف وجد آباؤكم مغبة طاعتي وكيف وجدتم مغبة معصيتي، وهل وجدوا أحدا عصاني فسعد بمعصيتي وهل علموا أحدا أطاعني فشقي بطاعتي ؟ إن الدواب إذا ذكرت أوطانها الصالحة نزعت إليها، وإن هؤلاء القوم رتعوا في مروج الهلكة وتركوا الامر الذي أكرمت به آباءهم وابتغوا الكرامة (2) من غير وجهها.
فأما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادي خولا يتعبدونهم ويعملون فيهم بغير كتابي [ حتى (2) ] أجهلوهم أمري وأنسوهم ذكري [ وسنتي (1) ] وغروهم عنى فدان لهم عبادي بالطاعة التي لا تنبغي إلا لي، فهم يطيعونهم في معصيتى.
وأما ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي وأمنوا مكرى وغرتهم الدنيا حتى نبذوا كتابي ونسوا عهدي، فهم يحرفون كتابي ويفترون على رسلي جرأة منهم علي وغرة بي، فسبحان جلالي وعلو مكاني وعظمة شأني، هل ينبغي أن يكون لي شريك في ملكي ؟ وهل ينبغي ليشر أن يطاع في معصيتي ؟
__________
(1) الطبري: ألبستها مذلة طاعتي خوفا واعترافا لامرى.
(2) ليست في ا (3) ا: واتبعوا.
(*)
وهل ينبغي لي أن أخلق عبادا أجعلهم أربابا من دوني أو آذن لاحد بالطاعة لاحد وهي لا تنبغي إلا لي ؟ ! وأما قراؤهم وفقهاؤهم فيدرسون ما يتخيرون، فينقادون للملوك فيتابعونهم على البدع التي يبتدعون في دينى ويطيعونهم في معصيتى، وبوفون لهم بالعهود الناقضة لعهدي، فهم جهلة بما يعلمون لا ينتفعون بشئ مما علموا من كتابي.
وأما أولاد النبيين فمقهورون ومفتونون، يخوضون مع الخائضين يتمنون مثل نصرى آباءهم والكرامة التي أكرمتهم بها، ويزعمون أنه لا أحد أولى بذلك منهم بغير صدق منهم ولا تفكر، ولا يذكرون كيف كان صبر آبائهم وكيف كان جهدهم في أمري حين اغتر المغترون، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم فصبروا وصدقوا حتى عز أمرى وظهر دينى.
فتأنيت هؤلاء القوم لعلهم يستحيون (1) منى ويرجعون، فتطولت عليهم وصفحت عنهم فأكثرت ومددت لهم في العمر وأعذرت لهم لعلهم يتذكرون.
وكل ذلك أمطر عليهم السماء وأنبت لهم الارض وألبسهم العافية وأظهرهم على العدو ولا يزدادون إلا طغيانا وبعدا منى [ فحتى (2) ] متى هذا ؟ أبى ؟ ؟ يسخرون أم بى يتحرشون أم إياي يخادعون أم على يجترئون.
فإني أقسم بعزتي لاتيحن عليهم فتنة يتحير فيها الحليم (3) ويضل فيها رأى ذوى الرأى وحكمة الحكيم ثم لاسلطن عليهم جبارا قاسيا عاتيا ألبسه الهيبة وأنزع من قلبه [ الرأفة (2) ] والرحمة وآليت أن يتبعه عدد وسواد مثل الليل المظلم، له فيه عساكر مثل قطع السحاب ومواكب مثل العجاج، وكأن خفيق (4) راياته طيران
__________
(1) ا: يسنخفون.
(2) سقطت من ا.
(3) المطبوعة: الحكيم.
وما اثبته من ا.
(4) كذا في ا موافقا للطبري وفي المطبوعة.
حفيف.
(*)
النسور وحمل فرسانه كريد (1) العقبان، يعيدون العمران خرابا والقرى وحشا ويعثون في الارض فسادا ويتبرون ما علوا تتبيرا، قاسية قلوبهم لا يكترثون ولا يرقبون ولا يرحمون ولا يبصرون ولا يسمعون، يجولون في الاسواق بأصوات مرتفعة مثل زئير الاسد تقشعر من هيبتها الجلود وتطيش من سمعها الاحلام بألسنة لا يفقهونها ووجوه ظاهر عليها المنكر لا يعرفونها.
فوعزتي لاعطلن بيوتهم من كتبي وقدسي ولاخلين مجالسهم من حديثها ودروسها ولاوحشن مساجدهم من عمارها وزوارها الذين كانوا يتزينون بعمارتها لغيري ويتهجدون فيها ويتعبدون لكسب الدنيا بالدين، ويتفقهون فيها لغير الدين ويتعلمون فيها لغير العمل، لابدلن ملوكها بالعز الذل وبالامن الخوف وبالغني الفقر وبالنعمة الجوع وبطول العافية والرخاء ألوان البلاء، وبلباس الديباج والحرير مدارع الوبر والعباء، وبالارواح الطيبة والادهان جيف القتلى، وبلباس التيجان أطواق الحديد والسلاسل والاغلال، ثم لاعيدن فيهم بعد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب، وبعد البروج المشيدة مساكن السباع وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب، وبعد ضوء السراج دخان الحريق، وبعد الانس الوحشة والقفار.
ثم لابدلن نساءها بالاسورة الاغلال وبقلائد الدر والياقوت سلاسل الحديد، وبألوان الطيب والادهان النفع والغبار، وبالمشى على الزرابى عبور الاسواق والانهار والخبب إلى الليل في بطون الاسواق وبالخدور والستور الحسور عن الوجوه والسوق والاسفار والارواح السموم ثم لادوسنهم بأنواع العذاب حتى لو كان الكائن منهم في حالق لوصل ذلك إليه، إني إنما أكرم من أكرمني وإنما أهين من هان عليه أمرى.
__________
(1) الاصل: كسرب العقبان.
وما أثبته من تاريخ الطبري 661 ط أوربا.
(*)
ثم لآمرن السماء خلال ذلك فلتكونن عليهم طبقا من حديد ولآمرن الارض فلتكونن سبيكة من نحاس فلا سماء تمطر ولا أرض تنبت.
فإن أمطرت خلال ذلك شيئا سلطت عليهم الآفة، فإن خلص منه شئ نزعت منه البركة وإن دعوني لم أجبهم ؟ ؟ وإن سألوني لم أعطهم وإن بكوا لم أرحمهم وإن تضرعوا إلى صرفت وجهي عنهم، وإن قالوا اللهم أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا برحمتك وكرامتك، وذلك بأنك اخترتنا لنفسك وجعلت فينا نبوتك وكتابك ومساجدك ثم مكنت لنا في البلاد واستخلفتنا فيها وربيتنا وآباءنا من قبلنا بنعمتك صغارا وحفظتنا وإياهم برحمتك كبارا فأنت أوفي المنعمين وإن غيرنا، ولا تبدل وإن بدلنا وأن تتم فضلك ومنك وطولك وإحسانك (1).
فإن قالوا ذلك قلت لهم إني أبتدئ عبادي برحمتي ونعمتي، فإن قبلوا أتممت وإن استزادوا زدت وإن شكروا ضاعفت وإن غيروا غيرت، وإذا غيروا غضبت [ وإذا غضبت عذبت وليس يقوم شئ بغضبي (2) ].
قال كعب: فقال أرميا: بوجهك أصبحت أتعلم بين يديك [ وهل ينبغي ذلك لي وأنا أذل وأضعف من أن ينبغى لي أن أتكلم بين يديك (2) ] ولكن برحمتك أبقيتنى لهذا اليوم وليس [ أحد (2) ] أحق أن يخاف هذا العذاب وهذا الوعيد منى بما رضيت به منى طولا والاقامة في دار الخاطئين وهم يعصونك حولي بغير نكر ولا تغيير مني، فإن تعذبني فبذنبي وإن ترحمني فذلك ظنى بك.
ثم قال: يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت ربنا وتعاليت، أتهلك هذه القرية وما حولها وهي مساكن أنبيائك ومنزل وحيك
__________
(1): وأن يتم نعمته وفضله وطوله وإحسانه.
(2) ليست في ا.
(*)
يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت ربنا وتعاليت لمخرب هذا المسجد وما حوله من المساجد ومن البيوت التي رفعت لذكرك، يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت وتعاليت لمقتل هذه الامة وعذابك إياهم وهم من ولد إبراهيم خليلك وأمة موسى نجيك وقوم داود صفيك، يا رب أي القرى تأمن عقوبتك بعد، وأي العباد يأمنون سطوتك بعد ولد خليلك إبراهيم وأمة نجيك موسى وقوم خليفتك داود تسلط عليهم عبدة النيران.
قال الله تعالى: يا أرميا من عصاني فلا يستنكر نقمتى، فإني إنما أكرمت هؤلاء القوم على طاعتي، ولو أنهم عصوني لانزلتهم دار العاصين، إلا أن أتداركهم برحمتي.
قال أرميا: يا رب اتخذت إبراهيم خليلا وحفظتنا به، وموسى قربته نجيا فنسألك أن تحفظنا ولا تتخطفنا ولا تسلط علينا عدونا.
فأوحى الله إليه يا أرميا إني قدستك في بطن أمك وأخرتك إلى هذا اليوم، فلو أن قومك حفظوا اليتامى والارامل والمساكين وابن السبيل لكنت الداعم لهم وكانوا عندي بمنزلة جنة ناعم شجرها طاهر ماؤها ولا يغور ماؤها ولا تبور ثمارها ولا تنقطع، ولكن سأشكو إليك بني إسرائيل: إني كنت لهم بمنزلة الراعى الشفيق أجنبهم كل قحط وكل عسرة وأتبع بهم الخصب حتى صاروا كباشا ينطح بعضها بعضا، فياويلهم ثم يا ويلهم، إنما أكرم من أكرمني وأهين من هان عليه أمرى، إن من كان قبل هؤلاء القوم من القرون يستخفون بمعصيتي وإن هؤلاء القوم يتبرعون بمعصيتي تبرعا فيظهرونها في المساجد والاسواق وعلى رءوس الجبال وظلال الاشجار حتى عجت السماء إلي منهم وعجت الارض والجبال ونفرت منها الوحوش بأطراف الارض
وأقاصيها، وفي كل ذلك لا ينتهون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب.
قال: فلما بلغهم أرميا رسالة ربهم وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب عصوه وكذبوه واتهموه وقالوا: كذبت وأعظمت على الله الفرية فتزعم أن الله معطل أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحيده ؟ فمن يعبده حين لا يبقى له في الارض عابد ولا مسجد ولا كتاب ؟ ! لقد أعظمت الفرية على الله واعتراك الجنون.
فأخذوه وقيدوه وسجنوه، فعند ذلك بعث الله عليهم بختنصر فأقبل يسير بجنوده حتى نزل بساحتهم ثم حاصرهم فكان كما قال تعالى: " فجاسوا خلال الديار " قال: فلما طال بهم الحصر نزلوا على حكمه ففتحوا الابواب وتخللوا الازقة وذلك قوله: " فجاسوا خلال الديار " وحكم فيهم حكم الجاهلية وبطش الجبارين، فقتل منهم الثلث وسبي الثلث وترك الزمنى والشيوخ والعجائز، ثم وطئهم بالخيل وهدم بيت المقدس وساق الصبيان وأوقف النساء في الاسواق حاسرات، وقتل المقاتلة وخرب الحصون وهدم المساجد وحرق التوراة، وسأل عن دانيال الذي كان قد كتب له الكتاب فوجدوه قد مات وأخرج أهل بيته الكتاب إليه وكان فيهم دانيال بن حزقيل الاصغر وميشائيل وعزرائيل وميخائيل، فأمضى لهم ذلك الكتاب.
وكان دانيال بن حزقيل خلفا من دانيال الاكبر ودخل بختنصر بجنوده بيت المقدس ووطئ الشام كلها وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم، فلما فرغ منها انصرف راجعا وحمل الاموال التي كانت بها وساق السبايا فبلغ معه عدة صبيانهم من أبناء الاحبار والملوك تسعين ألف غلام، وقذف الكناسات في بيت المقدس وذبح فيه الخنازير وكان الغلمان سبعة آلاف غلام من بيت داود، وأحد عشر ألفا من سبط يوسف بن
يعقوب وأخيه بنيامين، وثمانية آلاف من سبط ايشى بن يعقوب، وأربعة
عشر ألفا من سبط زبالون ونفتالى ابني يعقوب، وأربعة عشر ألفا من سبط دان بن يعقوب، وثمانية آلاف من سبط يستاخر بن يعقوب، وألفين من سبط زيكون بن يعقوب، وأربعة آلاف من سبط روبيل ولاوى، واثنى عشر ألفا من سائر بني إسرائيل.
وانطلق حتى قدم أرض بابل.
قال إسحاق بن بشر: قال وهب بن منبه: فلما فعل ما فعل قيل له كان لهم صاحب يحذرهم ما أصابهم ويصفك وخبرك لهم ويخبرهم أنك تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتهدم مساجدهم وتحرق كنائسهم، فكذبوه واتهموه وضربوه وقيدوه وحبسوه.
فأمر بختنصر فأخرج أرميا من السجن فقال له: أكنت تحذر هؤلاء القوم ما أصابهم ؟ قال نعم: قال فإني علمت ذلك.
قال: أرسلني الله إليهم فكذبوني قال كذبوك وضربوك وسجنوك ؟ قال نعم: قال: بئس القوم قوم كذبوا نبيهم وكذبوا رسالة ربهم، فهل لك أن تلحق بي فأكرمك وأواسيك وإن أحببت أن تقيم في بلادك فقد أمنتك.
قال له أرميا: إني لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ساعة قط، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا منه لم يخافوك ولا غيرك ولم يكن لك عليهم سلطان.
فلما سمع بختنصر هذا القول منه تركه فأقام أرميا مكانه بأرض إيليا.
وهذا سياق غريب، وفيه حكم ومواعظ وأشياء مليحة، وفيه من جهة التعريب غرابة.
وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبى: كان بختنصر اصفهبذا لما بين الاهواز إلى الروم للملك على الفرس وهو لهراسب، وكان قد بنى
مدينة بلخ التي تلقب بالخنساء، وقاتل الترك وألجأهم إلى أضيق الاماكن وبعث بختنصر لقتال بني إسرائيل [ بالشام (1) ] فلما قدم الشام صالحه
__________
(1) سقطت من ا.
(*)
أهل دمشق، وقد قيل إن الذي بعث بختنصر إنما هو بهمن ملك الفرس بعد بشتاسب بن لهراسب، وذلك لتعدى بني إسرائيل على رسله إليهم وقد روى ابن جرير عن يونس بن عبد الاعلى، عن ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد الانصاري ؟ ؟، عن سعيد بن المسيب، أن بختنصر لما قدم دمشق وجد بها دما يغلى على كبا، يعنى القمامة، فسألهم ماهذا الدم ؟ فقالوا: أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر.
قال: فقتل على ذلك سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم فسكن.
وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب، وقد تقدم من كلام الحافظ ابن عساكر ما يدل على أن هذا دم يحيى بن زكريا، وهذا لا يصح لان يحيى بن زكريا بعد بختنصر بمدة، والظاهر أن هذا دم نبي متقدم أو دم لبعض الصالحين أو لمن (1) شاء الله ممن الله أعلم به.
قال هشام بن الكلبى: قدم بختنصر بيت المقدس فصالحه ملكها وكان من آل داود وصانعه عن بني إسرائيل وأخذ منه بختنصر رهائن ورجع، فلما بلغ طبرية بلغه أن بني إسرائيل ثاروا على ملكهم فقتلوه لاجل أنه صالحه، فضرب رقاب من معه من الرهائن ورجع إليهم فأخذ المدينة عنوة، وقتل المقاتلة وسبي الذرية.
قال: وبلغنا أنه وجد في السجن أرميا النبي فأخرجه وقص عليه ما كان من أمره إياهم وتحذيره لهم عن ذلك فكذبوه وسجنوه [ فقال
بختنصر: بئس القوم قوم عصوا رسول الله وخلى سبيله وأحسن إليه (2) ] واجتمع إليه من بقى من ضعفاء بني إسرائيل فقالوا: إنا قد أسأنا وظلمنا
__________
(1) ا: أو من شاء الله.
(2) من ا.
(*)
ونحن نتوب إلى الله عزوجل مما صنعنا، فادع الله أن يقبل توبتنا، فدعا ربه فأوحى الله إليه أنه غير فاعل، فإن كانوا صادقين فليقيموا معك بهذه البلدة.
فأخبرهم ما أمره الله تعالى به، فقالوا: كيف نقيم بهذه البلدة وقد خربت [ وقد (1) ] غضب الله على أهلها ! فأبوا أن يقيموا.
قال ابن الكلبى: ومن ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل في البلاد فنزلت طائفة منهم الحجاز وطائفة يثرب وطائفة وادى القرى، وذهبت شرذمة منهم إلى مصر، فكتب بختنصر إلى ملكها يطلب منه من شرد منهم إليه فأبى عليه، فركب في جيشه فقاتله وقهره وغلبه وسبى ذراريهم ثم ركب إلى بلاد المغرب حتى بلغ أقصى تلك الناحية.
قال: ثم انصرف بسبي كثير من أرض المغرب ومصر وأهل بيت المقدس وأرض فلسطين والاردن وفي السبي دانيال.
قلت: والظاهر أنه دانيال بن حزقيل الاصغر لا الاكبر.
على ما ذكره وهب بن منبه.
والله أعلم.
__________
(1) من ا (*)
ذكر شئ من خبر دانيال عليه السلام قال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن عبد الاعلى الشيباني قال: إن لم أكن سمعته من شعيب بن صفوان فحدثني بعض أصحابنا عنه، عن
الاجلح الكندى عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال ضرا بختنصر أسدين فألقاهما في جب، وجاء بدانيال فألقاه عليهما فلم يهيجاه، فمكث ما شاء الله ثم اشتهى ما يشتهى الآدميون من الطعام والشراب، فأوحى الله إلى أرميا وهو بالشام: أن أعدد طعاما وشرابا لدانيال فقال يا رب أنا بالارض المقدسة ودانيال بأرض بابل من أرض العراق.
فأوحى الله إليه أن أعدد ما أمرناك به فإنا سنرسل من يحملك ويحمل ما أعددت.
ففعل وأرسل إليه من حمله وحمل ما أعده حتى وقف على رأس الجب فقال دانيال من هذا ؟ قال: أنا أرميا.
فقال: ما جاء بك ؟ فقال: أرسلني إليك ربك.
قال: وقد ذكرني ربي ؟ قال نعم.
فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي يجيب من رجاه، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، والحمد لله الذي يجزى بالاحسان إحسانا.
[ والحمد لله الذي يجزى بالصبر نجاة (1) ] والحمد لله الذي هو يكشف ضرنا بعد كربنا، والحمد لله الذي يقينا حين يسوء ظننا بأعمالنا والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا.
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحق عن أبي خالد بن دينار، حدثنا أبو العالية قال: لما افتتحنا تستر وجدنا في مال بيت الهرمزان سريرا عليه رجل ميت عند رأسه مصحف، فأخذنا المصحف فحملناه إلى
__________
(1) ليست في ا.
(*)
عمر بن الخطاب فدعا له كعبا فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل من العرب (1) قرأه، قرأته مثل ما أقرأ القرآن هذا.
فقلت لابي العالية: ما كان فيه ؟ قال: سيركم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد.
قلت: فما
صنعتم بالرجل ؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة، فلما كان بالليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس فلا ينبشونه قلت: فما يرجون منه، قال: كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون قلت من (2) كنتم تظنون الرجل ؟ قال: رجل يقال له دانيال.
قلت: منذ كم وجدتموه قد مات ؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة.
قلت: ما تغير منه شئ قال: إلا شعرات (3) من قفاه، إن لحوم الانبياء لا تبليها الارض ولا تأكلها السباع.
وهذا إسناد صحيح إلى أبي العالية، ولكن إن كان تاريخ وفاته محفوظا من ثلاثمائة سنة فليس بنبي بل هو رجل صالح، لان عيسى بن مريم ليس بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي بنص الحديث الذي في البخاري، والفترة التي كانت بينهما أربعمائة سنة، وقيل ستمائة وقيل ستمائة وعشرون سنة، وقد يكون تاريخ وفاته من ثمانمائة سنة وهو قريب من وقت دانيال، إن كان كونه دانيال هو المطابق لما في نفس الامر، فإنه قد يكون رجلا آخر إما من الانبياء أو الصالحين، ولكن قربت الظنون أنه دانيال لان دانيال كان قد أخذه ملك الفرس فأقام عنده مسجونا كما تقدم.
__________
(1) ا من العراب.
(2) ا: كم كنتم.
(3) ا: إلا شعيرات.
(*)
وقد روى بإسناد صحيح إلى أبي العالية أن طول أنفه شبر، وعن أنس بن مالك بإسناد جيد أن طول أنفه ذراع، فيحتمل على هذا أن يكون رجلا من الانبياء الاقدمين قبل هذه المدد.
والله تعالى أعلم.
وقد قال أبو بكر ابن أبي الدنيا في كتاب أحكام القبور: حدثنا
أبو بلال محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري حدثنا أبو محمد القاسم بن عبد الله، عن أبي الاشعث الاحمري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن دانيال دعا ربه عزوجل أن تدفنه أمة محمد فلما افتتح أبو موسى الاشعري نستر وجده في تابوت تضرب عروقه ووريده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دل على دانيال فبشروه بالجنة.
فكان الذي دل عليه رجل يقال له حرقوص فكتب أبو موسى إلى عمر بخبره فكتب إليه عمر: أن أدفنه وابعث إلي حرقوص فإن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة.
وهذا مرسل من هذا الوجه وفي كونه محفوظا نظر والله أعلم.
ثم قال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو بلال، حدثنا قاسم بن عبد الله عن عنبسة بن سعيد، وكان عالما، قال: وجد أبو موسى مع دانيال مصحفا وجرة فيها ودك ودراهم وخاتمه، فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر: أما المصحف فابعث به إلينا، وأما الودك فابعث إلينا منه ومر من قبلك من المسلمين يستشفون به واقسم الدراهم بينهم، وأما الخاتم فقد نفلنا كه.
وروى ابن أبي الدنيا (1) من غير وجه أن أبا موسى لما وجده وذكروا له أنه دانيال التزمه وعانقه وقبله، وكتب إلى عمر يذكر له أمره وأنه وجد عنده مالا موضوعا قريبا من عشرة آلاف درهم، وكان من جاء اقترض منها فإن ردها وإلا مرض (2) وإن عنده ربعة (3) فأمر عمر بأن يغسل بماء وسدر ويكفن ويدفن ويخفى قبره فلا يعلم به أحد، وأمر بالمال أن يرد إلى بيت المال وبالربعة فتحمل إليه ونفله خاتمه.
وروى عن أبي موسى أنه أمر أربعة من الاسراء فسكروا (4) نهرا وحفروا في وسطه قبرا فدفنه فيه، ثم قدم الاربعة الاسراء فضرب أعناقهم فلم يعلم موضع (5) قبره غير أبي موسى الاشعري رضي الله عنه.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني إبراهيم بن عبد الله، حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، حدثنا ابن وهب، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: رأيت في يد ابن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري خاتما نقش فصه أسدان بينهما رجل يلحسان ذلك الرجل، قال أبو بردة: وهذا خاتم ذلك الرجل الميت الذي زعم أهل هذه البلدة أنه دانيال أخذه أبو موسى يوم دفنه.
قال أبو بردة: فسال أبو موسى علماء تلك القرية عن نقش ذلك الخاتم فقالوا: إن الملك الذي كان دانيال في سلطانه جاءه المنجمون وأصحاب العلم فقالوا له: إنه يولد كذا وكذا غلام يعور (6)
__________
(1) ط: عن ابن أبي الدنيا.
وما أثبته عن.
(2) ا: وإلا برص.
(3) الربعة: الصندوق.
(4) سكروا النهر: سدوه.
(5) ا: فلم يعلم مكان موضع قبره.
(6) يعور: يذهب به أو يتلفه.
(*)
ملكك ويفسده، فقال الملك: والله لا يبقى تلك الليلة غلام إلا قتلته.
إلا أنهم أخذوا دانيال فألقوه في أجمة الاسد فبات الاسد ولبؤته يلحسانه ولم يضراه.
فجاءت أمه فوجدتهما يلحسانه فنجاه الله بذلك حتى بلغ ما بلغ قال أبو بردة: قال أبو موسى: قال علماء تلك القرية: فنقش دانيال صورته وصورة الاسدين يلحسانه في فص خاتمه لئلا ينسى نعمة الله عليه في ذلك.
إسناد حسن.
وهذا ذكر عمارة بيت المقدس بعد خرابها واجتماع الملا من بني إسرائيل بعد تفرقهم في بقاع الارض وشعابها قال الله تعالى في كتابه المبين وهو أصدق القائلين: " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت ! قال: لبثت يوما أو بعض يوم.
قال: بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير ".
قال هشام بن الكلبى: ثم أوحى الله تعالى إلى أرميا عليه السلام فيما بلغني: إني عامر بيت المقدس فاخرج إليها فانزلها.
فخرج حتى قدمها وهي خراب، فقال في نفسه: سبحان الله أمرنى الله أن أنزل هذه البلدة وأخبرني أنه عامرها فمتى يعمرها ومتى يحييها الله بعد موتها ! ثم وضع رأسه فنام ومعه حماره وسلة من طعام فمكث في نومه سبعين سنة حتى هلك بختنصر والملك الذي فوقه وهو لهراسب، وكان ملكه مائة وعشرين سنة وقام بعده ولده بشتاسب بن لهراسب، وكان موت بختنصر في دولته فبلغه عن بلاد الشام أنها خراب وأن السباع قد كثرت في أرض فلسطين فلم يبق بها من الانس أحد، فنادى في أرض بابل في بني إسرائيل: أن من شاء أن يرجع إلى الشام فليرجع.
وملك عليهم رجلا من آل داود وأمره أن يعمر بيت المقدس ويبنى مسجدها
فرجعوا فعمروها وفتح الله لارميا عينيه فنظر إلى المدينة كيف تبنى وكيف
تعمر، ومكث في نومه ذلك حتى تمت له مائة سنة.
ثم بعثه الله وهو لا يظن أنه نام أكثر من ساعة وقد عهد المدينة خرابا فلما نظر إليها عامرة آهلة قال: أعلم أن الله على كل شئ قدير.
قال: فأقام بنو إسرائيل بها ورد الله عليهم أمرهم فمكثوا كذلك حتى غلبت عليهم الروم في زمن ملوك الطوائف، ثم لم يكن لهم جماعة ولا سلطان يعنى بعد ظهور النصارى عليهم.
هكذا حكاه ابن جرير في تاريخه عنه (1) وذكر ابن جرير أن لهراسب كان ملكا عادلا سائسا لمملكته قد دانت له العباد والبلاد والملوك والقواد وأنه كان ذا رأى جيد في عمارة الامصار والانهار والمعاقل، ثم لما ضعف (2) عن تدبير المملكة بعد مائة سنة ونيف نزل عن الملك لولده بشتاسب، فكان في زمانه ظهور دين المجوسية وذلك أن رجلا اسمه زردشت (3) كان قد صحب أرميا عليه السلام فأغضبه فدعا عليه أرميا عليه السلام فبرص زردشت فذهب فلحق بأرض أذربيجان وصحب بشتاسب فلقنه دين المجوسية الذي اخترعه من تلقاء نفسه فقبله منه بشتاسب وحمل الناس عليه وقهرهم وقتل منهم خلقا كثيرا ممن أباه منهم.
ثم كان بعد بشتاسب بهمن بن بشتاسب وهو من ملوك الفرس المشهورين والابطال المذكورين وقد ناب بختنصر لكل واحد من هؤلاء الثلاثة وعمر دهرا طويلا قبحه الله.
__________
(1) ا: عنهم (2) ا: عجز (3) ا: زرادشت (22 قصص الانبياء 2) (*)
والمقصود أن هذا الذي ذكره ابن جرير من أن هذا المار على هذه القرية هو أرميا عليه السلام، قاله (1) وهب بن منبه و عبد الله بن عبيد
ابن عمير وغيرهما.
وهو قوى من حيث السياق المتقدم، وقد روى عن على و عبد الله بن سلام وابن عباس والحسن وقتادة والسدى وسليمان بن بردة وغيرهم أنه عزير.
وهذا أشهر عند كثير من السلف والخلف والله أعلم.
__________
(1) المطبوعة: قال، محرفة (*)
وهذه قصة العزير قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: هو عزير بن جروة ويقال ابن سوريق بن عديا بن أيوب بن درزنا بن عرى بن تقى بن أسبوع ابن فنحاص بن العازر بن هارون بن عمران.
ويقال عزير بن سروخا جاء في بعض الآثار أن قبره بدمشق.
ثم ساق من طريق أبي القاسم البغوي عن داود بن عمرو، عن حبان بن على، عن محمد بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس مرفوعا: لا أدرى العزير (1) بيع أم لا ولا أدرى أعزير كان (2) نبيا أم لا.
ثم رواه من حديث مؤمل بن الحسن، عن محمد بن إسحاق السجزى عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي ذئب (4)، عن سعيد المقبرى، عن أبي هريرة مرفوعا نحوه.
ثم روى من طريق إسحاق بن بشر، وهو متروك عن جويبر ومقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس أن عزيرا كان ممن سباه بختنصر وهو غلام حدث، فلما بلغ أربعين سنة أعطاه الله الحكمة.
قال: ولم يكن أحد أحفظ ولا أعلم بالتوراة منه.
قال: وكان يذكر مع الانبياء حتى محى الله اسمه من ذلك حين سأل ربه عن القدر.
وهذا ضعيف ومنقطع ومنكر، والله أعلم.
__________
(1) المطبوعة: العين.
محرفة (2) ط: أكان عزير.
(3) ا: عن أبي إسحاق السجزى محرفة.
(4) المطبوعة: عن ابن أبي ذؤيب.
(*)
وقال إسحاق بن بشر، عن سعيد، عن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن سلام، أن عزيرا هو العبد الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه.
وقال إسحاق بن بشر: أنبأنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن كعب وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن الحسن ومقاتل وجوبير (1)، عن الضحاك، عن ابن عباس و عبد الله بن إسماعيل السدى عن أبيه، عن مجاهد، عن ابن عباس وإدريس، عن جده وهب بن منبه قال إسحاق كل هؤلاء حدثوني عن حديث عزير وزاد بعضهم على بعض قالوا بإسنادهم إن عزيرا كان عبدا صالحا حكيما خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها، فلما انصرف أتى إلى خربة حين قامت الظهيرة وأصابه الحر، ودخل الخربة وهو على حماره فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب، فنزل في ظل تلك الخربة وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة (2) ثم أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل ليأكله، ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ورأى عظاما بالية فقال: " أنى يحيى هذه الله بعد موتها " فلم يشك أن الله يحييها ولكن قالها تعجبا، فبعث الله ملك الموت فقبض روحه، فأماته
الله مائة عام.
فلما أنت عليه مائة عام، وكانت فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور
__________
(1) ا: وجويرية.
(2) ا: في السلة (*)
وأحداث.
قال: فبعث الله إلى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل قلبه وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيى الله الموتى.
ثم ركب خلقه وهو ينظر، ثم كسى عظامه اللحم والشعر والجلد ثم نفخ فيه الروح، كل ذلك وهو يرى ويعقل، فاستوى جالسا فقال له الملك كم لبثت ؟ قال لبثت يوما أو بعض يوم، وذلك أنه كان لبث صدر النهار عند الظهيرة وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب، فقال: أو بعض يوم ولم يتم لي يوم.
فقال له الملك: بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك، يعنى الطعام الخبز اليابس، وشرابه العصير الذي كان اعتصره في القصعة فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز يابس، فذلك قوله " لم يتسنه " يعنى لم يتغير، وكذلك التين والعنب غض لم يتغير شئ من حالهما، فكأنه أنكر في قلبه فقال له الملك: أنكرت ما قلت لك ؟ انظر إلى حمارك.
فنظر إلى حماره قد بليت عظامه وصارت نحرة.
فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر إليه ثم ألبسها العروق والعصب، ثم كساها اللحم ثم أنبت عليها الجلد والشعر، ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا يظن القيامة قد قامت.
فذلك قوله " وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما " يعنى وانظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا
بلا لحم، ثم انظر كيف نكسوها لحما " فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير " من إحياء الموتى وغيره.
قال: فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكر الناس
وأنكر منزله فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته، فلما أصابها الكبر أصابها الزمانة، فقال لها عزير: يا هذه أهذا منزل عزير ؟ قالت: نعم هذا منزل عزير.
فبكت وقالت: ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس.
قال فإني أنا عزير كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثنى.
قالت: سبحان الله ! فإن عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر.
قال: فإني أنا عزير.
قالت: فإن عزيرا رجل مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء، فادع الله أن يرد علي بصرى حتى أراك فإن كنت عزيرا عرفتك.
قال: فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحتا وأخذ بيدها وقال: قومي بإذن الله.
فأطلق الله رجليها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال، فنظرت فقالت: أشهد أنك عزير.
وانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم، وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة وثماني عشر سنة وبنى بنيه شيوخ في المجلس، فنادتهم فقالت: هذا عزير قد جاءكم.
فكذبوها، فقالت: أنا فلانة مولاتكم دعا لي ربه فرد علي بصري وأطلق رجلى وزعم أن الله أماته مائة سنة ثم بعثه.
قال: فنهض الناس فأقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه: كان
لابي شامة سوداء بين كتفيه.
فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير.
فقالت بنو إسرائيل: فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غير عزير
وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها شئ إلا ما حفظت الرجال، فاكتبها لنا وكان أبوه سروخا قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه أحد غير عزير، فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب.
قال: وجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله فجدد لهم التوراة ونزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه.
فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل، فمن ثم قالت اليهود: عزير ابن الله، للذى كان من أمر الشهابين وتجديده التوراة وقيامه بأمر بني إسرائيل، وكان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل، والقرية التي مات فيها يقال لها سايراباذ.
قال ابن عباس: فكان كما قال الله تعالى: " ولنجعلك آية للناس " يعني لبني إسرائيل، وذلك أنه كان يجلس مع بنيه وهم شيوخ وهو شاب لانه مات وهو ابن أربعين سنة، فبعثه الله شابا كهيئته يوم مات.
قال ابن عباس: بعث بعد بختنصر وكذلك قال الحسن.
وقد أنشد أبو حاتم السجستاني في معنى ما قاله ابن عباس: واسود رأس شاب من قبله ابنه * ومن قبله ابن ابنه فهو أكبر يرى ابنه شيخا يدب على عصا * ولحيته سوداء والرأس أشقر وما لابنه حيل ولا فضل قوة * يقوم كما يمشى الصبي فيعثر يعد ابنه في الناس تسعين حجة * وعشرين لا يجرى ولا يتبختر
وعمر أبيه أربعون أمرها * ولابن ابنه تسعون في الناس غبر فما هو في المعقول إن كنت داريا * وإن كنت لا تدري فبالجهل تعذر فصل المشهور أن عزيرا نبي من أنبياء بني إسرائيل وأنه كان فيما بين داود وسليمان وبين زكريا ويحيى، وأنه لما لم يبق في بني إسرائيل من يحفظ التوراة ألهمه الله حفظها فسردها على بني إسرائيل، كما قال وهب بن منبه: أمر الله ملكا فنزل بمغرفة من نور فقذفها في عزير فنسخ التوراة حرفا بحرف حتى فرغ منها.
وروى ابن عساكر عن ابن عباس أنه سأل عبد الله بن سلام عن قول الله تعالى: " وقالت اليهود عزير ابن الله " لم قالوا ذلك ؟ فذكر له ابن سلام ما كان من كتبه لبني إسرائيل التوراة من حفظه، وقول بني إسرائيل: لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إلا في كتاب وإن عزيرا قد جاءنا بها من غير كتاب.
فرماه طوائف منهم وقالوا عزير ابن الله.
ولهذا يقول كثير من العلماء: إن تواتر التوراة انقطع في زمن العزير.
وهذا متجه جدا إذا كان العزير غير نبي كما (1) قاله عطاء بن أبي رباح والحسن البصري.
وفيما رواه إسحاق بن بشر عن مقاتل بن سليمان، عن عطاء، وعن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه، ومقاتل عن عطاء ابن أبي رباح قال: كان في الفترة تسعة أشياء: بختنصر وجنة صنعاه
__________
(1) ا: كذا قاله.
(*)
وجنة سبأ وأصحاب الاخدود وأمر حاصروا وأصحاب الكهف وأصحاب
الفيل ومدينة أنطاكية وأمر تبع.
وقال إسحاق بن بشر: أنبأنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال كان أمر عزير وبختنصر في الفترة.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أولى الناس بابن مريم لانا، إنه ليس بينى وبينه نبي ".
وقال وهب بن منبه: كان فيما بين سليمان وعيسى عليهما السلام.
وقد روى ابن عساكر عن أنس بن مالك وعطاء بن السائب أن عزيرا كان في زمن موسى بن عمران.
وأنه استأذن عليه فلم يأذن له، يعنى لما كان من سؤاله عن القدر وأنه انصرف وهو يقول: مائة موتة أهون من ذل ساعة.
وفي معنى قول عزير مائة موتة أهون من ذل ساعة قول بعض الشعراء: قد يصبر الحر على السيف * ويأنف الصبر على الحيف ويؤثر الموت على حالة * يعجز فيها عن قرى الضيف فأما ما روى ابن عساكر وغيره عن ابن عباس ونوف البكالى وسفيان الثوري وغيرهم، من أنه سأل عن القدر فمحى اسمه من ذكر الانبياء، فهو منكر وفي صحته نظر، وكأنه مأخوذ عن الاسرائيليات.
وقد روى عبد الرزاق وقتيبة بن سعيد، عن جعفر بن سليمان، عن أبى عمران الجونى، عن نوف البكالى قال: قال عزير فيما يناجى
ربه: يا رب تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدى من تشاء ؟ فقيل له: أعرض عن هذا.
فعاد فقيل له: لتعرضن عن هذا أو لامحون اسمك من الانبياء، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.
وهذا يقتضى وقوع ما توعد
عليه لو عاد فما محى (1).
وقد روى الجماعة سوى الترمذي من حديث يونس بن يزيد، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة.
وكذلك رواه شعيب عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل نبي من الانبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم أمر بها فأحرقت بالنار فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة ! فروى إسحاق بن بشر عن ابن جريج، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه أنه عزير، وكذا روى عن ابن عباس والحسن البصري أنه عزير، فالله أعلم.
__________
(1) المطبوعة: فما محيا.
(*) |