باب ما ورد في خلق آدم عليه السلام قال الله تعالى: " وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل في الارض خليفة، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ قال إنى أعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الاسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة، فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العلم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم، قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والارض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين * وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، وكلا منها رغدا حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه، وقلنا هبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين * فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم * قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (1) ".
وقال تعالى: " مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (2) " وقال تعالى: " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذى تساءلون به والارحام، إن الله كان عليكم رقيبا (3) ".
__________
(1) سورة البقرة 30 - 39 (2) سورة آل عمران 59 (3) سورة النساء 1 " م 1 - قصص الانبياء 1 " (*)
كما قال: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير (1) ".
وقال تعالى: " هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها...الآية (2) ".
وقال تعالى: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرنك ؟ قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها، فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين * قال فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملان جهنم منكم أجمعين * ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ماوورى عنهما من سوآتهما، وقال مانها كما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور، فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ؟ وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ؟ * قالا ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين * قال اهبطوا بعضكم لبعض
__________
(1) سورة الحجرات 13 (2) سورة الاعراف 189.
(*)
عدو، ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين * قال فيها تحيون وفيها تموتون
ومنها تخرجون (1) ".
كما قال في الآية الاخرى: " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى (2) ".
وقال تعالى: " ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم * وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين * قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين ؟ * قال لم أكن لاسجد لبشر خلقته ن صلصال من حمأ مسنون.
قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين * قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال رب بما أغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال هذا صراط على مستقيم * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين * وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم (3).
وقال تعالى: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ؟ * قال أرأيتك هذا الذى كرمت على، لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلا * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك، وأجلب
__________
(1) سورة الاعراف 21 - 25 (2) سورة طه 55 (3) سورة الحجر 26 - 44 (*)
عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الاموال والاولاد، وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا " (1)
وقال تعالى: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه، أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ؟ بئس للظالمين بدلا " (2).
وقال تعالى ": ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى * فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك، فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى * فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ؟ * فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آد ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى * قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو، فإما يأتينكم منى هدى فمن ابتع هداى فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتهما وكذلك اليوم تنسى (3) ".
وقال تعالى: " قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون * ما كان لى من علم بالملا الاعلى إذ يختصمون * إن يوحى إلى إلا أنما أنا نذير مبين * إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى ؟ أستكبرت أم كنت من العالين ؟ * قال أنا خير منه خلقتي من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها
__________
(1) سورة الاسراء (2) سورة الكهف (3) سورة طه (*)
فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لاغوينهم أجمعين *
إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول لاملان جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين * قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين (1) ".
* * * فهذا ذكر هذه القصة من مواضع متفرقة من القرآن، وقد تكلمنا على ذلك كله في التفسير، ولنذكرها هنا مضمون ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات، وما يتعلق بها من الاحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله المستعان.
فأخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلا لهم: " إنى جاعل في الارض خليفة " أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضا كما قال: " وهو الذى جعلكم خلائف الارض " [ وقال: " ويجعلكم خلفاء الارض " ] (2) فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالامر العظيم قبل كونه، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة لا على وجه الاعتراض والتنقص (3) لبنى آدم والحسد لهم، كما قد يتوهمه بعض جهلة المفسرين، قالوا: " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ ".
قيل علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن والبن (4).
قاله قتادة.
__________
(1) سورة ص.
(2) سقطت من المطبوعة.
(3) ا: والنقص.
(4) كذا، ولعلها الحن، وهم طائفة من الجن وقيل ضعفتهم.
(*)
وقال عبد الله بن عمر: كانت الجن قبل آدم بألفى عام فسفكوا الدماء فبعث الله إليهم جندا من الملائكة (1) فطردوهم إلى جزائر البحور.
وعن ابن عباس نحوه.
وعن الحسن ألهموا ذلك.
وقيل: لما اطلعوا عليه من اللوح المحفوظ، فقيل أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له السجل.
رواه ابن أبى حاتم عن أبى جعفر الباقر.
وقيل: لانهم علموا أن الارض لا يخلق منها إلا من يكون بهذه المثابة غالبا.
" ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " أي نعبدك دائما لا يعصيك منا أحد، فإن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدوك فها نحن لا نفتر ليلا ولا نهارا.
" قال إنى أعلم ما لا تعلمون " أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هؤلاء مالا تعلمون، أي سيوجد منهم الانبياء والمرسلون والصديقون والشهداء [ والصالحون (2) ].
ثم بين لهم شرف آدم عليهم في العلم فقال: " وعلم آدم الاسماء كلها ".
قال ابن عباس: هي هذه الاسماء التى يتعارف بها الناس: إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الامم وغيرها.
وفى رواية: علمه اسم الصحفة، والقدر، حتى الفسوة والفسية.
وقال مجاهد: علمه اسم كل دابة، وكل طير وكل شئ.
وكذا قال سعيد ابن جبير [ وقتادة وغير واحد (3) ].
__________
(1) ا: من الملائكة جندا (2) سقطت من المطبوعة.
(3) ليست في ا (*)
وقال الربيع: علمه أسماء الملائكة.
وقال عبد الرحمن بن زيد: علمه أسماء ذريته.
والصحيح: أنه علمه أسماء الذورات وأفعالها مكبرها ومصغرها، كما أشار إليه ابن عباس رضى الله عنهما.
وذكر البخاري هنا ما رواه هو ومسلم من طريق سعيد وهشام عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شئ " وذكر تمام الحديث.
" ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ".
قال الحسن البصري: لما أراد الله خلق آدم، قالت الملائكة: لا يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه.
فابتلوا بهذا.
وذلك قوله " إن كنتم صادقين ".
وقيل غير ذلك كما بسطناه في التفسير.
قالوا: " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " أي سبحانك أن يحيط أحد بشئ من علمك من غير تعليمك، كما قال: " ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء ".
" قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والارض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ؟ " أي أعلم السر كما أعلم العلانية.
وقيل إن المراد بقوله: " أعلم ما تبدون " ما قالوا: أتجعل فيها من يفسد
فيها، وبقوله " وما كنتم تكتمون " المراد بهذا الكلام إبليس حين أسر الكبر والنفاسة (1) على آدم عليه السلام.
قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسدى والضحاك والثوري واختاره ابن جرير.
وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة: " وما كنتم تكتمون " قولهم: لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه.
وقوله: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر " هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، كما قال: " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " فهذه أربع تشريفات: خلقه له بيده الكريمة، ونفخه من روحه، وأمره (2) الملائكة بالسجود له، وتعليمه أسماء الاشياء.
ولهذا قال له موسى الكليم حين اجتمع هو وإياه في الملا الاعلى وتناظر كما سيأتي: أنت آدم أبو البشر الذى خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شئ.
وهكذا يقول [ له (3) ] أهل المحشر يوم القيامة كما تقدم، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقال في الآية الاخرى: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتي من نار وخلقته من طين ".
قال الحسن البصري: قاس إبليس وهو أول من قاس.
وقال محمد بن
__________
(1) المطبوعة: والتخيرة.
(2) ا: وأمر.
(3) من ا (*)
سيرين: أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس و [ لا ] (1) القمر إلا بالمقاييس، رواهما ابن جرير.
ومعنى هذا أنه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم، فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له، مع وجود الامر له ولسائر الملائكة بالسجود.
والقياس إذا كان مقابلا بالنص كان فاسد الاعتبار.
ثم هو فاسد في نفسه، فإن الطين أنفع وخير من النار، لان الطين فيه الرزانة والحلم والاناة والنمو، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والاحراق.
ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له، كما قال: " وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون.
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين.
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين.
قال: يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين قال: لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون قال: فاخرج منها فإنك رجيم.
وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين " استحق هذا من الله تعالى لانه استلزم تنقصه لآدم وازدراءه به وترفعه عليه مخالفة الامر الالهى، ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين.
وشرع في الاعتذار بما لا يجدى عنه شيئا، وكان اعتذاره أشد من ذنبه كما قال تعالى في سورة سبحان: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ؟ قال أرأيتك هذا الذى كرمت على لئن أحرتنى إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلا.
قال اذهب فمن تبعك
__________
(1) ليست في ا.
(*)
منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا، واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ".
وقال في سورة الكهف: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " أي خرج عن طاعة الله عمدا وعنادا واستكبارا عن امتثال أمره، وما ذاك إلا لانه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليها، فإنه مخلوق
من ناركما قال، وكما جاء في صحيح مسلم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ".
قال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط.
وقال شهر بن حوشب: كان من الجن، فلما أفسدوا في الارض بعث الله إليهم جندا من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم إلى جزائر البحار، وكان إبليس ممن أسر فأخذوه معهم إلى السماء فكان هناك، فلما أمرت الملائكة بالسجود امتنع إبليس منه.
وقال ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة وسعيد بن المسيب وآخرون: كان إبليس رئيس الملائكة بالسماء الدنيا.
قال ابن عباس: وكان اسمه عزازيل، وفى رواية عنه (1): الحارث.
قال النقاش: وكنيته أبو كردوس.
قال ابن عباس: وكان من حى من الملائكة يقال لهم الجن،
__________
(1) المطبوعة: عن وهو تحريف.
(*)
وكانوا خزان الجنان، وكان من أشرفهم و [ من ] (1) أكثرهم علما وعبادة، وكان من أولى الاجنحة الاربعة فمسخه الله شيطانا رجيما.
وقال في سورة ص: " وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين.
فسجد الملائكة كلهم أجمعون.
إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين.
قال: يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى استكبرت أم كنت من العالين.
قال: انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال: فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين.
قال: رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون.
قال فإنك من المنظرين إلى
يوم الوقت المعلوم قال: فبعزتك لاغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين.
قال: فالحق والحق أقول.
لاملان جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين " وقال في سورة الاعراف: " قال فبما أغويتني لافعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين " أي بسبب إغوائك إياى لاقعدن لهم كل مرصد، ولآتينهم من كل جهة منهم، فالسعيد من خالفه والشقى من اتبعه.
وقال الامام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا أبو عقيل - هو عبد الله ابن عقيل الثقفى - حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبى الجعد، عن سبرة بن أبى الفاكه (2) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان قعد (3) لا بن آدم بأطرقه " وذكر الحديث.
* * *
__________
(1) من ا.
(2) ا: فا كه.
(3) ط: يقعد.
(*)
وقد اختلف المفسرون في الملائكة المأمورين بالسجود لآدم: أهم جميع الملائكة كما دل عليه عموم الآيات ؟ وهو قول الجمهور.
أو المراد بهم ملائكة الارض ؟ كما رواه ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس، وفيه انقطاع وفى السياق نكارة، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه.
ولكن الاظهر من السياقات الاول، ويدل عليه الحديث: " وأسجد له ملائكته " وهذا عموم أيضا والله أعلم.
وقوله تعالى لابليس: " اهبط منها " و " اخرج منها " دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها، والخروج من المنزلة والمكانة التى كان قد نالها
بعبادته، وتشبه بالملائكة في الطاعة والعبادة، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه، فأهبط إلى الارض مذءوما مدحورا.
* * * وأمر الله آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة فقال: " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ".
وقال في الاعراف: " قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملان جهنم منك أجمعين * ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ".
وقال تعالى: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى *
فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ".
وسياق هذه الآيات يقتضى أن خلق حواء كان قبل دخول آدم [ إلى ] (1) الجنة لقوله: " ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " وهذا قد صرح به إسحاق ابن يسار (2) وهو ظاهر هذه الآيات.
ولكن حكى السدى عن أبى صالح وأبى مالك، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا: أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة، فكان يمشى فيها وحشى (3) ليس له فيها زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه.
فسألها ما (4) أنت ؟ قالت: امرأة.
قال: ولم خلقت ؟ قالت: لتسكن إلى، فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما اسمها يا آدم ؟ قال: حواء، قالوا: ولم كانت
حواء ؟ قال لانها خلقت من شئ حى.
وذكر محمد بن إسحاق عن ابن عباس أنها خلقت من ضلعه الاقصر الايسر وهو نائم ولام مكانه لحما.
ومصداق هذا في قوله تعالى: " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء...الآية " وفى قوله تعالى: " هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها
__________
(1) من ا.
(2) ط: بشار.
وهو تحريف.
(3) كذا بالاصول، ولعله على تقدير مبتدأ محذوف.
وهو وحشى.
(4) ط: من أنت.
(*)
ليسكن إليها، فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به..." الآية وسنتكلم عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وفى الصحيحين من حديث زائدة، عن ميسرة الاشجعي، عن أبى حازم، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شئ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا ".
لفظ البخاري.
و [ وقد ] (1) اختلف المفسرون في قوله تعالى: " ولا تقربا هذه الشجرة " فقيل هي الكرم، وروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبى وجعدة ابن هبيرة، ومحمد بن قيس والسدى في رواية عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة، قال: وتزعم يهود أنها الحنطة، وهذا مروى عن ابن عباس والحسن البصري ووهب بن منبه وعطية العوفى، وأبى مالك ومحارب بن دثار،
و عبد الرحمن بن أبى ليلى.
قال وهب: والحبة منه ألين من الزبد وأحلى من العسل.
وقال الثوري عن أبى حصين، عن أبي مالك: " ولا تقربا هذه الشجرة " هي النخلة.
وقال ابن جريج عن مجاهد: هي التينة، وبه قال قتادة وابن جريج وقال أبو العالية: كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغى في الجنة حدث.
وهذا الخلاف قريب، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما في غيرها من المحال التى تبهم في القرآن.
__________
(1) ليس في ا.
(*)
وإنما الخلاف الذى ذكروه في أن هذه الجنة التى أدخلها آدم: هل هي في السماء أو في الارض، هو الخلاف الذى ينبغى فصله والخروج منه.
والجمهور على أنها هي التى في السماء وهى جنة المأوى، لظاهر الآيات والاحاديث كقوله تعالى: " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " والانف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي، وإنما تعود على معهود ذهني، وهو المستقر شرعا من جنة المأوى، وكقول موسى عليه السلام لآدم عليه السلام: " علام أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟..." الحديث كما سيأتي الكلام عليه.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبى مالك الاشجعى - واسمه سعد ابن طارق - عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن أبى هريرة، وأبو مالك عن ربعى، عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة.
فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ؟ " وذكر الحديث بطوله.
وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في (1) الدلالة على أنها جنة المأوى، وليست
تخلو عن نظر.
وقال آخرون: بل الجنة التى أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد، لانه (2) كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة، ولانه نام فيها وأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها، وهذا مما ينافى أن تكون جنة المأوى.
وهذا القول محكى عن أبى بن كعب، و عبد الله بن عباس ووهب بن منبه وسفيان بن عيينة، واختاره ابن قتيبة في المعارف، والقاضى منذر بن سعيد
__________
(1) 1: على.
(2) ا: لانها.
(*)
البلوطى في تفسيره وأفرد له مصنفا على حدة.
وحكاه عن أبى حنيفة الامام وأصحابه رحمهم الله.
ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي بن خطيب الرى في تفسيره عن أبى القاسم البلخى وأبى مسلم الاصبهاني.
ونقله القرطبى في تفسيره عن المعتزلة والقدرية.
وهذا القول هو نص التوراة التى بأيدى أهل الكتاب.
وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في الملل والنحل، وأبو محمد بن عطية في تفسيره، وأبو عيسى الرماني في تفسيره، وحكى عن الجمهور الاول، وأبو القاسم الراغب [ والقاضى (1) ] الماوردى في تفسيره فقال: واختلف في الجنة التى أسكناها يعنى آدم وحواء على قولين: أحدهما أنها جنة الخلد.
الثاني [ أنها (2) ] جنة أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء، وليست جنة الخلد التى جعلها دار جزاء.
ومن قال بهذا اختلفوا على قولين: أحدهما أنها في السماء لانه أهبطهما منها، وهذا قول الحسن، والثانى أنها في الارض لانه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التى نهيا عنها دون غيرها من الثمار.
وهذا قول ابن يحيى، وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم، والله أعلم بالصواب من ذلك.
هذا كلامه.
فقد تضمن كلامه حكاية أقوال ثلاثة، وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة.
ولهذا (3) حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسألة أربعة أقوال: هذه الثلاثة التى أوردها الماوردى، ورابعها الوقف.
وحكى القول بأنها في السماء وليست جنة المأوى، عن أبى على الجبائى.
__________
(1) ليست في ا.
(2) من ا.
(3) ط: ولقد.
(*)
وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالا يحتاج مثله إلى جواب، فقالوا: لا شك أن الله سبحانه وتعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الالهية، وأمره بالخروج عنها والهبوط منها وهذا الامر ليس من الاوامر الشرعية بحيث يمكن مخالفته، وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع، ولهذا قال: " اخرج منها مذءوما مدحورا ".
وقال: " اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها " وقال: " اخرج منها فإنك رجيم " والضمير عائد إلى الجنة أو السماء أو المنزلة.
وأياما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدرا في المكان الذى طرد عنه وأبعد منه، لا على سبيل الاستقرار ولا على سبيل المرور والاجتياز.
قالوا: ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله له: " هل أدلك على شجرة الخلد وملك لايبلى " وبقوله: " ما نها كما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.
وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين.
فدلاهما بغرور.." الآية وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما.
وقد أجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور فيها لا على سبيل الاستقرار بها، وأنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء.
وفى الثلاثة نظر، والله أعلم.
ومما احتج به أصحاب هذه المقالة: ما رواه عبد الله بن الامام أحمد في الزيادات عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن البصري، عن يحيى بن ضمرة السعدى، عن أبى بن كعب، قال: إن آدم لما احتضر اشتهى " م 2 - قصص الانبياء 1 "
قطفا من عنب الجنة، فانطلق بنوه ليطلبوه له، فلقيتهم الملائكة فقالوا: أين تريدون يا بنى آدم ؟ فقالوا إن أبانا اشتهى قطفا من عنب الجنة.
فقالوا لهم: ارجعوا فقد كفيتموه.
فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه، وصلى عليه جبريل ومن خلفه من الملائكة ودفنوه، وقالوا: هذه سنتكم في موتاكم.
وسيأتى الحديث بسنده، وتمام لفظه عند ذكر وفاة آدم عليه السلام.
قالوا: فلولا أنه كان الوصول إلى الجنة التى كان فيها آدم التى اشتهى منها القطف ممكنا، لما ذهبوا يطلبون ذلك، فدل على أنها في الارض لا في السماء، والله تعالى أعلم.
قالوا: والاحتجاج بأن الالف واللام في قوله: " ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " [ لم يتقدم عهد يعود عليه فهو المعهود الذهنى (1) ] مسلم، ولكن هو مادل عليه سياق الكلام، فإن آدم خلق من الارض ولم ينقل أنه رفع إلى السماء، وخلق ليكون في الارض، وبهذا أعلم الرب الملائكة حيث قال: " إنى جاعل في الارض خليفة " قالوا: وهذا كقوله تعالى: " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة (2) " واللام ليس للعموم، ولم يتقدم معهود لفظي، وإنما هي للمعهود الذهنى الذى
فالالف دل عليه السياق وهو البستان.
قالوا: وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء، قال الله تعالى: " قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك (2) " وإنما كان
__________
(1) ليست في ا (2) الآية: 17 من سورة ن (3) الآية: 48 من سورة هود (*)
في السفينة (1) حين استقرت على الجودى ونضب الماء عن وجه الارض أمر (2) أن يهبط إليها هو ومن معه مباركا عليه وعليهم.
وقال الله تعالى: " اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم " الآية (3) وقال تعالى: " وإن منها لما يهبط من خشية الله.." الآية (4).
وفى الاحاديث واللغة من هذا كثير.
قالوا: ولا مانع - بل هو الواقع - أن الجنة أسكنها آدم كانت مرتفعة عن (5) سائر بقاع الارض، ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور، كما قال تعالى: " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى ".
أي لايذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعرى " وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " أي لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس، ولهذا قرن بين هذا وهذا، وبين هذا وهذا، لما بينهما من الملاءمة.
فلما كان منه ماكان من أكله من الشجرة التى نهى عنها، أهبط إلى أرض الشقاء والتعب والنصب والكدر والسعى والنكد، والابتلاء والاختبار والامتحان، واختلاف السكان دينا وأخلاقا وأعمالا، وقصودا وإرادات وأقوالا وأفعالا، كما قال تعالى: " ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين ".
ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال: " وقلنا من بعده لبنى إسرائيل اسكنوا الارض، فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " (6)، ومعلوم أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء.
__________
(1) 1: السفن (2) ط: وأمر (3) الآية: 61 من سورة البقرة (4) الآية: 74 من سورة البقرة (5) ا: على (6) الآية: 104 من سورة الاسراء
قالوا: وليس هذا القول مفرعا على قول من ينكر وجود الجنة والنار [ اليوم ] (1) ولا تلازم بينهما، فكل من حكى عمنه هذا القول من السلف وأكثر (2) الخلف، ممن يثبت وجود الجنة والنار اليوم، كما دلت عليه الآيات والاحاديث الصحاح.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
* * * وقوله تعالى: " فأزلهما الشيطان عنها " أي عن الجنة " فأخرجهما مما كانا فيه " أي من النعيم والنضرة والسرور إلى دار التعب والكد والنكد، وذلك بما وسوس لهما وزينه في صدورهما، كما قال تعالى: " فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ماوورى عنهما من سوآتهما، وقال مانها كما ركما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " [ يقول: مانها كما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (3) ]، أي لو أكلتما منها لصرتما كذلك.
" وقاسمهما " أي حلف لهما على ذلك " إنى لكما لمن الناصحين "، كما قال في الآية الاخرى: " فوسوس إليه الشيطان، قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لايبلى ؟ ": أي هل أدلك على الشجرة التى إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضى ؟ وهذا من التغرير والتزوير والاخبار بخلاف الواقع.
والمقصود أن قوله شجرة الخلد التى إذا أكلت منها خلدت، وقد تكون
هي الشجرة التى قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا شعبة،
__________
(1) ليست في ا (2) ا: وأكثرهم (3) ليست في ا (*)
عن أبى الضحاك، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، شجرة الخلد ".
وكذا رواه أيضا عن غندر وحجاج، عن شعبة ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أيضا به.
قال غندر: قلت لشعبة: هي شجرة الخلد ؟ قال ليس فيها هي.
تفرد به الامام أحمد.
وقوله: " فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة " [ كما قال في طه " فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما، وطقا يخصفان عليهما من ورق الجنة (1) ] وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم، رهى التى حدته على أكلها والله أعلم.
وعليه يحمل (2) الحديث الذى رواه البخاري: حدثنا بشر بن محمد، حدثنا عبد الله، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه: " لولا بنو إسرائيل لم يخنز (3) اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ".
تفرد به من هذا الوجه، وأخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبى هريرة به، ورواه أحمد ومسلم عن هارون بن معروف، عن أبى (4) وهب، عن عمرو بن الحارث (5) عن أبى يونس، عن أبى هريرة به.
__________
(1) ليست في ا (2) ا: حمل (3) يخنز: ينتن
(4) ا: عن ابن (5) ط: حارث (*)
وفى كتاب التوراة التى بأيدى (1) أهل الكتاب: أن الذى دل حواء على الاكل من الشجرة هي الحية، وكانت من أحسن الاشكال وأعظمها، فأكلت حواء عن قولها وأطعمت آدم عليه السلام، وليس فيها ذكر لابليس، فعند ذلك انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان، فوصلا من ورق التين وعملا مآزر وفيها أنهما كانا عريانين.
وكذا قال وهب بن منبه: كان لباسهما نورا على فرجه وفرجها.
وهذا الذى في هذه التوراة التى بأيديهم غلط منهم، وتحريف وخطأ في التعريب، فإن نقل الكلام من لغة إلى لغة لا يتيسر (2) لكل أحد، ولا سيما ممن لا [ يكاد (3) ] يعرف كلام العرب جيدا، ولا يحيط علما بفهم كتابه أيضا، فلهذا وقع في تعريبهم لها خطأ كثير (4) لفظا ومعنى.
وقد دل القرآن العظيم على أنه كان عليهما لباس في قوله: " ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما " فهذا لايرد لغيره من الكلام.
والله تعالى أعلم.
وقال ابن أبى حاتم: حدثنا على بن الحسن بن أسكاب، حدثنا على بن عاصم، عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن الحسن عن أبى بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق (5)، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول مابدا منه عورته، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة، فأخذت شعره شجرة فنازعها، فناداه الرحمن عزوجل: يا آدم منى تفر ؟ فلما سمع كلام الرحمن قال يا رب لا، ولكن استحياء ".
__________
(1) ط: بين أيدى.
وما أثبته عن ا (2) ط: لا يكاد يتيسر.
ولعله تحريف
(3) سقطت من المطبوعة (4) ا: كبير (5) السحوق: الطويلة (*)
وقال الثوري عن ابن أبى ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: " وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة " ورق التين.
وهذا إسناد صحيح إليه وكأنه مأخوذ من أهل الكتاب، وظاهر الآية يقتضى أعم من ذلك، وبتقدير تسليمه فلا يضر، والله تعالى أعلم.
وروى الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن إسحاق، عن الحسن ابن ذكوان، عن الحسن البصري عن أبى بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أباكم آدم كان كالنخلة السحوق، ستون ذراعا، كثير الشعر موارى العورة، فلما أصاب الخطيئة في الجنة بدت له سوأته، فخرج من الجنة، فلقيته شجرة فأخذت بناصيته، فناداه ربه: أفرارا منى يا آدم ؟ قال: بل حياء منك (1) يا رب مما جئت به ".
ثم رواه من طريق سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن يحيى ابن ضمرة، عن أبى بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وهذا أصح، فإن الحسن لم يدرك أبيا.
ثم أورده أيضا من طريق خيثمة بن سليمان الاطرابلسى، عن محمد بن عبد الوهاب أبى مرصافة العسقلاني، عن آدم بن أبى إياس، عن سنان، عن قتادة عن أنس مرفوعا بنحوه.
" وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة، وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ؟ * قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ".
__________
(1) ط: بل حياء منك والله يا رب.
(*)
وهذا اعتراف ورجوع إلى الانابة، وتذلل وخضوع واستكانة، وافتقار إليه تعالى في الساعة الراهنة، وهذا السر ما سرى في أحد من ذريته إلا كانت عاقبته إلى خير في دنياه وأخراه.
" قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين " وهذا خطاب لآدم وحواء وإبليس، قيل والحية معهم، أمروا أن يهطبوا من الجنة في حال كونهم متعادين متحاربين.
وقد يستشهد لذكر الحية معهما بما ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيات، وقال: ما سالمناهن منذ حاربناهن.
وقوله في سورة طه: " قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو " هو أمر لآدم وإبليس، واستتبع آدم حواء وإبليس الحية.
وقيل هو أمر لهم بصيغة التثنية كما في قوله تعالى: " وداود وسليمان إذ يخكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (1) ".
[ والصحيح أن هذا لما كان الحاكم لا يحكم إلا بين اثنين مدع ومدعى عليه، قال: وكنا لحكمهم شاهدين (2) ].
وأما تكريره الاهباط في سورة البقرة في قوله: " وقلنا اهبطوا منها جميعا بعضكم لعبض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين.
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم.
قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى، فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون.
__________
(1) سورة الانبياء 77 (2) سقط من ا (*)
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " فقال
بعض المفسرين: المراد بالاهباط الاول: الهبوط من الجنة إلى السماء الدنيا، وبالثانى: من السماء الدنيا إلى الارض.
وهذا ضعيف لقوله في الاول: " قلنا اهبطوا منها جميعا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين " فدل على أنهم أهبطوا إلى الارض بالاهباط الاول والله أعلم.
والصحيح: أنه كرره لفظا وإن كان واحدا، وناط مع كل مرة حكما ; فناط بالاول عداوتهم فيما بينهم، وبالثانى الاشتراط عليهم أن من تبع هداه الذى ينزله عليهم بعد ذلك فهو السعيد، ومن خالفه فهو الشقى، وهذا الاسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الحكيم.
وروى الحافظ ابن عساكر عن مجاهد قال: أمر الله ملكين أن يخرجا آدم وحواء من جواره، فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الاكليل عن جبينه، وتعلق به غصن، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه يقول: العفو العفو، فقال الله: أفرارا منى ؟ قال: بل حياء منك يا سيدي ! وقال الاوزاعي عن حسان - هو ابن عطية - مكث آدم في الجنة مائة عام، وفى رواية ستين عاما، وبكى على الجنة سبعين عاما، وعلى خطيئته سبعين عاما، وعلى ولده حين قتل أربعين عاما.
رواه ابن عساكر.
وقال ابن أبى حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عثمان بن أبى شيبة، حدثنا
جرير، عن سعيد، عن ابن عباس قال: أهبط آدم عليه السلام إلى أرض يقال لها " دحنا " بين مكة والطائف.
وعن الحسن قال: أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بدستميان
من البصرة على أميال، وأهبطت الحية بأصبهان.
رواه ابن أبي حاتم أيضا.
وقال السدى: نزل آدم بالهند ونزل معه بالحجر الاسود وبقبضة من ورق الجنة، فبثه في الهند فنبتت شجرة الطيب هناك.
وعن ابن عمر قال: أهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة.
رواه ابن أبى حاتم أيضا.
وقال عبد الرزاق: قال معمر: أخبرني عوف، عن قسامة بن زهير، عن أبى موسى الاشعري، قال: إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الارض علمه صنعة كل شئ.
وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير.
وقال الحاكم في مستدركه: أنبأنا أبو بكر بن بالوية، عن محمد بن أحمد بن النضر، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن عمار بن أبى معاوية البجلى، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس قال: ما أسكن آدم الجنة إلا مابين صلاة العصر إلى غروب الشمس.
ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وفى صحيح مسلم من حديث الزهري عن الاعرج، عن أبى هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها ".
وفى الصحيح من وجه آخر: " وفيه تقوم الساعة ".
وقال أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الاوزاعي، عن أبى عمار، عن عبد الله بن فروخ، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير
يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة ".
على شرط مسلم.
فأما الحديث الذى رواه ابن عساكر من طريق أبى القاسم البغوي، حدثنا محمد بن جعفر الوركانى، حدثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هبط آدم وحواء عريانين جميعا، عليهما ورق الجنة، فأصابه الحر حتى قعد يبكى ويقول لها: يا حواء قد آذانى الحر، قال فجاءه جبريل بقطن، وأمرها أن تغزل وعلمها، وأمر آدم بالحياكة وعلمه أن ينسج (1) "، وقال: " كان آدم لم يجامع امرأته في الجنة، حتى هبط منها للخطيئة التى أصابتهما (2) بأكلهما من الشجرة "، قال: " وكان كل واحد منهما ينام على حدة، وينام أحدهما في البطحاء والآخر من ناحية أخرى، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله "، قال: " وعلمه كيف يأتيها، فلما أتاها جاءه جبريل فقال: كيف وجدت امرأتك ؟ قال: صالحة ".
فإنه حديث غريب ورفعه منكر جدا.
وقد يكون من كلام بعض السلف
__________
(1) ا: وعلم آدم بالحياكة وأمره أن ينسج (2) ا: أصابها (*)
وسعيد بن ميسرة هذا هو أبوعمران البكري البصري، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروى الموضوعات، وقال ابن عدى: مظلم الامر.
* * * وقوله: " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم " قيل هي قوله: " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من
الخاسرين (1) ".
روى هذا عن مجاهد وسعيد بن جبير وأبى العالية والربيع ابن أنس والحسن وقتادة ومحمد بن كعب وخالد بن معدان وعطاء الخراساني و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال ابن أبى حاتم: حدثنا على بن الحسن بن أسكاب، حدثنا على بن عاصم، عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبى بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال آدم عليه السلام: أرأيت يا رب إن تبت ورجعت أعائدى إلى الجنة ؟ قال: نعم " فذلك قوله: " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ".
وهذا غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع.
وقال ابن أبى نجيح، عن مجاهد قال: الكلمات: " اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إنى ظلمت نفسي فاغفر لى إنك خير الراحمين.
اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إنى ظلمت نفسي فتب على إنك أنت التواب الرحيم ".
(1) الآية: 23 من سورة الاعراف (*)
وروى الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " قال: قال آدم يا رب ألم تخلقني بيدك ؟ قيل له بلى، ونفخت في من روحكم ؟ قيل له بلى، وعطست فقلت يرحمك الله وسبقت رحمتك غضبك ؟ قيل له: بلى، وكتبت على أن أعمل هذا ؟ قيل له بلى، قال: أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة ؟ قال: نعم.
ثم قال الحاكم: صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
وروى الحاكم أيضا والبيهقي وابن عساكر من طريق عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم، عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما اقترف آدم الخطيئة قال: بارب أسألك بحق محمد إلا (1) غفرت لى ".
فقال الله: فكيف عرفت محمدا ولم أخلقه بعد ؟ فقال: يا رب لانك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحكم، رفعت رأسي فرايت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ؟ فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك.
فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لاحب الخلق إلى، وإذ سألتنى بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك.
قال البيهقى: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف.
والله أعلم.
وهذه الآية كقوله تعالى: " وعصى آدم ربه فغوى.
ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى " (2).
__________
(1) ط: أن وهو تحريف (2) الآيتان من سورة طه 121، 123 (*)
ذكر احتجاج آدم وموسى عليهما السلام قال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا أيوب بن النجار، عن يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حاج موسى آدم عليهما السلام فقال له: أنت الذى أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم.
قال آدم: " يا موسى أنت الذى اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومني على أمر [ قد ] (1) كتبه الله على قبل أن يخلقني، أو قدره على قبل أن يخلقني ؟ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فحج آدم موسى ".
وقد رواه مسلم عن عمرو الناقد، والنسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد، عن أيوب بن النجار به.
قال أبو مسعود الدمشقي: ولم يخرجا عنه في الصحيحين سواه.
وقد رواه أحمد، عنم عبد الرازق عن معمر، عن همام، عن أبى هريرة، ورواه مسلم عن محمد بن رافع، عن عبد الرازق به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا إبراهيم، حدثنا أبو شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احتج آدم وموسى، فقال له موسى: أنت آدم الذى اخرجتك خطيئتك من الجنة ؟.
فقال له آدم: وأنت موسى الذى اصطفاك الله برسالاته وبكلامه تلومني على أمر قدر على قبل أن أخلق ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فحج آدم موسى " مرتين.
__________
(1) ليست في ا (*)
قلت: وقد روى هذا الحديث البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائده، عن الاعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت الذى خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة ".
قال: " فقال آدم: وأنت موسى الذى اصطفاك الله بكلامه تلومني عنى عمل أعمله، كتبه الله على قبل أن يخلق السموات والارض ؟ قال: فحج آدم موسى ".
وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن يحيى بن حبيب بن عدى، عن معمر ابن سليمان، عن أبيه، عن الاعمش به.
قال الترمذي: وهو غريب (1) من حديث سليمان التيمى عن الاعمش.
قال: وقد رواه بعضهم عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى سعيد.
قلت: هكذا رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده، عن محمد بن مثنى، عن معاذ بن أسد، عن الفضل بن موسى، عن الاعمش، عن أبى صالح، عن أبى سعيد.
ورواه البزار أيضا: حدثنا عمرو بن على الفلاس، حدثنا أبو معاوية، عن
__________
(2) ط: قريب.
(*)
الاعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، أو أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه.
وقال أحمد: حدثنا سفيان عن عمرو سمع طاووسا، سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة.
فقال له آدم: يا موسى أنت الذى اصطفاك الله بكلامه - وقال مرة برسالته - وخط لك بيده، أتلومني على أمر قدره الله على قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ " قال: " حج آدم موسى، حج آدم موسى، حج آدم موسى ".
وهكذا رواه البخاري عن على بن المدينى، عن سفيان، قال حفظناه من عمرو عن طاووس، قال سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة.
فقال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده، أتلومني على
أمر قدره الله على قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى.
هكذا ثلاثا.
قال سفيان: حدثنا أبو الزناد، عن الاعرج، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجة من عشر طرق، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا حماد، عن عمار، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لقى آدم موسى، فقال: أنت آدم الذى خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك الجنة، ثم فعلت ما فعلت ؟ فقال: أنت موسى الذى كلمك الله واصطفاك برسالته، وأنزل عليك التوراة، أنا أقدم أم الذكر ؟ قال: لابل الذكر.
فحج آدم موسى.
قال أحمد: وحدثنا عفان، حدثنا حماد، عن عمار بن أبى عمار، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحميد عن الحسن عن رجل - قال حماد أظنه جندب بن عبد الله البجلى - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لقى آدم موسى " فذكر معناه.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال أحمد: حدثنا حسين (1)، حدثنا جرير - هو ابن حازم - عن محمد، هو ابن سيرين، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقى آدم موسى فقال: أنت آدم الذى خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد
لك ملائكته، ثم صنعت ما صنعت ؟ قال آدم: لموسى (2) أنت الذى كلمه الله، وأنزل عليه التوراة ؟ قال نعم قال: فهل تجده مكتوبا على قبل أن أخلق ؟ قال نعم.
قال: " فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ".
وكذا رواه حماد بن زيد، عن أيوب، وهشام عن محمد بن سيرين، عن أبى
__________
(1) ط: الحسن (2) ط: يا موسى (م 3 - قصص الانبياء 1) (*)
هريرة رفعه.
وكذا رواه على بن عاصم، عن خالد، وهشام، عن محمد بن سيرين وهذا على شرطهما من هذه الوجوه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الاعلى، أنبأنا ابن وهب، أخبرني أنس بن عياض، عن الحارث بن أبى دياب، عن يزيد بن هرمز، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى، قال موسى: أنت الذى خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك جنته، ثم أهبطت الناس إلى الارض بخطيئتك ؟ قال آدم: أنت موسى الذى اصطفاك الله برسانته وكلامه، وأعطاك الالواح فيها تبيان كل شئ، وقربك نجيا ؟ فبكم وجدت الله [ كتب التوراة (1) ] قال موسى: بأربعين عاما، قال آدم: فهل وجدت فيها: " وعصى آدم ربه فغوى ؟ " قال نعم.
قال أفتلومنى على أن عملت عملا كتب الله على أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فحج آدم موسى ".
قال الحارث: وحدثني عبد الرحمن بن هرمز بذلك، عن أبى هريرة، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه مسلم عن إسحق بن موسى الانصاري، عن أنس بن عياض، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبى ذباب، عن يزيد بن هرمز والاعرج، كلاهما عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر ; عن الزهري، عن أبى سلمة،
__________
(1) سقطت من ا (*)
عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احتج آدم وموسى، فقال موسى لآدم: يا آدم أنت الذى أدخلت ذريتك النار.
فقال آدم: يا موسى اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، وأنزل عليك التوراة، فهل وجدت أن أهبط ؟ قال نعم، قال فحجه آدم ".
وهذا على شرطهما ولم يخرجاه من هذا الوجه، وفى قوله أدخلت ذريتك النار، نكارة.
فهذه طرق هذا الحديث عن أبى هريرة، رواه عنه حميد بن عبد الرحمن، وذكوان أبو صالح السمان، وطاووس بن كيسان، و عبد الرحمان بن هرمز الاعرج، وعمار بن أبى عمار، ومحمد بن سيرين، وهمام بن منبه، ويزيد بن هرمز، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
* * * وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده من حديث أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضى الله عنه فقال: حدثنا الحارث بن مسكين المصرى، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال موسى عليه السلام:
يا رب أرنا آدم الذى أخرجنا ونفسه من الجنة.
فأراه آدم عليه السلام، فقال: أنت آدم ؟ فقال له آدم: نعم.
فقال: أنت الذى نفه الله فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك الاسماء كلها ؟ قال نعم.
قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ فقال له آدم: من أنت ؟ قال أنا موسى.
قال: أنت موسى بنى
بنى إسرائيل ؟ أنت الذى كلمك الله من وراء الحجاج، فلم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه ؟ قال: نعم.
قال: تلومني على أمر قد سبق من الله عزوجل القضاء به قبل ؟ ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ".
ورواه أبو داود عن أحمد بن صالح المصرى، عن ابن وهب به.
قال أبو يعلى: وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعى، حدثنا عمران، عن الردينى، عن أبى مجلز عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن عمر - قال أبو محمد أكبر ظنى أنه رفعه - قال: " التقى آدم وموسى، فقال موسى لآدم: أنت أبو البشر، أسكنك الله جنته، وأسجدلك ملائكته.
قال آدم: يا موسى أما تجده على مكتوبا ؟ قال: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ".
وهذا الاسناد أيضا لا بأس به، والله أعلم.
وقد تقدم رواية الفضل بن موسى لهذا الحديث عن الاعمش، عن أبى صالح عن أبى سعيد، ورواية الامام أحمد له عن عفان، عن حماد بن سلمة عن حميد، عن الحسن عن رجل.
قال حماد: أظنه جندب بن عبد الله البجلى، عن النى صلى الله عليه وسلم: " لقى آدم موسى " فذكر معناه.
* * * وقد اختلف مسالك الناس في هذا الحديث: فرده قوم من القدرية لما تضمن من إثبات القدر السابق.
واحتج به قوم من الجبرية، وهو ظاهر لهم بادى الرأى حيث قال: فحج آدم موسى، لما احتج عليه بتقديم كتابه، وسيأتى الجواب عن هذا.
وقال آخرون: إنما حجه لانه لامه على ذنب قد تاب منه، والتائب من الذنب كمن لاذنب له.
وقيل إنما حجه لانه أكبر منه وأقدم.
وقيل لانه أبوه.
وقيل لانهما في شريعتين متغايرتين.
وقيل لانهما في دار البرزخ وقد انقطع التكليف فيما يزعمون.
والتحقيق: أن هذا الحديث روى بألفاظ كثيرة بعضها مروى بالمعنى، وفيه نظر.
ومدار معظمها في الصحيحين وغيرهما على أنه لامه على إخراجه نفسه وذريته من الجنة، فقال له آدم: أنا لم أخرجكم، وإنما أخرجكم الذى رتب الاخراج على أكلى من الشجرة، والذى رتب ذلك وقدره وكتبه قبل أن أخلق، هو الله عزوجل، فأنت تلومني على أمر ليس له نسبة إلى أكثر من أنى نهيت عن الاكل من الشجرة فأكلت منها، وكون الاخراج مترتبا على ذلك ليس من فعلى، فأنا لم أخرجكم ولا نفسي من الجنة، وإنما كان هذا من قدر الله وصنعه، وله الحكمة في ذلك.
فلهذا حج آدم موسى.
ومن كذب بهذا الحديث فمعاند ; لانه متواتر عن أبى هريرة رضى الله عنه، وناهيك به عدالة وحفظا وإتقانا.
ثم هو مروى عن غيره من الصحابة كما ذكرنا.
ومن تأوله بتلك التأويلات المذكورة آنفا، فهو بعيد من اللفظ والمعنى، وما فيهم من هو أقوى مسلكا من الجبرية.
وفيما قالوه نظر من وجوه: أحدها: أن موسى عليه السلام لا يلوم على أمر قد تاب عنه فاعله.
الثاني: أنه قد قتل نفسا لم يؤمر بقتلها، وقد سأل الله في ذلك بقوله: " رب إنى ظلمت نفسي فاغفر لى فغفر له (1) ".
الثالث: أنه لو كان الجواب عن اللوم على الذنب بالقدر المتقدم كتابته على العبد، لا نفتح هذا لكل من ليم على أمر قد فعله، فيحتج بالقدر السابق فينسد باب القصاص والحدود.
ولو كان القدر حجة لاحتج به كل أحد على الامر الذى ارتكبه في الامور الكبار والصغار، وهذا يفضى إلى لوازم فظيعة.
فلهذا قال من قال من العلماء، بأن جواب آدم إنما كان احتجاجا بالقدر على المصيبة لا المعصية.
والله تعالى أعلم.
__________
(1) سورة القصص 16.
(*)
ذكر الاحاديث الواردة في خلق آدم عليه السلام قال الامام أحمد: حدثنا يحيى ومحمد بن جعفر، حدثنا عوف، حدثنى قسامة ابن زهير، عن أبى موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق آدم من قبضه قبضها من جميع الارض، فجاء بنو آدم على قدر الارض، فجاء منهم الابيض والاحمر والاسود وبين ذلك، والخبيث والطيب، والسهل والحزن وبين ذلك.
ورواه أيضا عن هوذة، عن عوف، عن قسامة بن زهير، سمعت الاشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الارض، فجاء بنو آدم على قدر الارض، فجاء منهم الابيض والاحمر والاسود وبين ذلك والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك ".
وكذا رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه، من حديث عوف ابن أبي جميلة الاعرابي، عن قسامة بن زهير المازتى البصري، عن أبى موسى عبد الله بن قيس الاشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد ذكر السدى عن أبى مالك وأبى صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فبعث الله عزوجل جبريل في الارض ليأتيه بطين منها، فقالت الارض: أعوذ بالله منك أن تنقص منى أو تشيننى، فرجع ولم يأخذ، وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها.
فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل.
فبعث ملك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الارض وخلط (1)، ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة بيضاء وحمراء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.
فصعد به فبل التراب حتى عاد طينا لازبا.
واللازب: هو الذى يلزق بعضه ببعض، ثم قال للملائكة: " إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ".
فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه، فخلقه بشرا، فكان جسدا من
طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعا إبليس، فكان يمر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة، فذلك حين يقول: " من صلصال كالفخار " ويقول: لامر ماخلقت، ودخل من فيه وخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سلطت عليه لاهلكنه.
فلما بلغ الحين الذى يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح، قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس، فقالت الملائكة قل: الحمد لله، فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت الروح في جوه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، وذلك حين يقول الله تعالى: " خلق الانسان من عجل " فسجد الملائكة
__________
(1) ط: وخلطه.
(*)
كلهم أجمعون ؟ إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين " وذكر تمام القصة.
ولبعض هذا السياق شاهد من الاحاديث، وإن كان كثير منه متلقى من الاسرائيليات.
فقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه، فجعل إبليس يطيف به، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك ".
وقال ابن حبان في صحيحه: حدثنا الحسبن بن سفيان، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله
رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله ".
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، حدثنا حبان ابن هلال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن عبيدالله، عن حبيب، عن حفص - هو ابن عاصم بن عبيدالله بن عمر بن الخطاب - عن أبى هريرة رفعه قال: " لما خلق الله آدم عطس، فقال الحمد لله، فقال له ربه رحمك ربك يا آدم ".
وهذا الاسناد لا بأس به ولم يخرجوه.
وقال عمر بن عبد العزيز: لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل، فآتاه الله أن كتب القرآن في جبهته.
رواه ابن عساكر.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا عمرو بن محمد،
عن إسماعيل بن رافع، عن المقبرى، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طينا ثم تركه، حتى إذا كان حما مسنونا خلقه الله وصوره ثم تركه، حتى إذا كان صلصالا كالفخار قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خلقت لامر عظيم.
ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقاه الله رحمة به، فقال الله: يرحمك ربك، ثم قال الله: يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم فانظر ماذا يقولون ؟ فجاء فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
فقال: يا آدم: هذا تحيتك وتحية ذريتك.
قال يا رب: وما ذريتي ؟ قال: اختر يدى يا آدم، قال: أختار يمين ربى وكلتا يدى ربى يمين، فبسط كفه فإذا من هو كائن من ذريته في كف الرحمن، فإذا رجال منهم أفواههم النور، وإذا رجل يعجب آدم نوره، قال يا رب من هذا ؟
قال ابنك داود، قال يا رب: فكم جعلت له من العمر ؟ قال جعلت له ستين، قال: يا رب فأتم له من عمرى حتى يكون عمره (1) مائة سنة، ففعل سنة، ففعل الله ذلك، وأشهد على ذلك.
فلما نفد عمر آدم بعث الله ملك الموت، فقال آدم: أو لم يبق من عمرى أربعون سنة ؟ قال له الملك: أو لم تعطها ابنك داود ؟ فجحد ذلك، فجحدت ذريته، ونسى فنسيت ذريته ! ".
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار والترمذي والنسائي في اليوم والليلة من حديث صفوان بن عيسى، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبى ذباب، عن سعيد
__________
(1) ط: حتى يكون له من العمر (*)
المقبرى، عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الترمذي [ حديث (1) ] حسن غريب من هذا الوجه.
وقال النسائي: هذا حديث منكر.
وقد رواه محمد بن عجلان، عن أبيه عن أبى سعيد المقبرى (2)، عن عبد الله بن سلام [ قوله (3) ].
وقال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبى صالح، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عينى كل إنسان منهم وبيصا (4) من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلا فأعجبه وبيص مابين عينيه، فقال: أي رب من هذا ؟ قال هذا رجل من آخر الامم من ذريتك يقال له داود، قال: رب وكم جعلت عمره ؟ قال ستين سنة، قال: أي رب زده من عمرى أربعين سنة.
فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، قال: أو لم يبق من عمرى أربعون سنة ؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود ؟ قال: فجحد فجحدت ذريته، ونسى آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته ".
ثم قال الترمذي: حسن صحيح.
وقد روى من غير وجه عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه الحاكم في مستدركه من حديث أبى نعيم الفضل ابن دكين، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
__________
(1) ليست في ا.
(2) عن سعيد المقبرى عن أبيه (3) الوبيص: البريق (4) من ا.
(*)
وروى ابن أبى حاتم من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبى هريرة مرفوعا فذكره وفيه: " ثم عرضهم على آدم فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك، وإذا فيهم الاجذم والابرص والاعمى وأنواع الاسقام، فقال آدم: يا رب لم فعلت هذا بذريتي ؟ قال: كى تشكر نعمتي ".
ثم ذكر قصة داود.
وستأتى من رواية ابن عباس أيضا.
وقال الامام أحمد في مسنده: حديثا الهيثم [ بن خارجة، حدثنا أبو الربيع (1) ] عن يونس بن ميسرة، عن أبى إدريس، عن أبى الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الدر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم (2)، فقال الذى في يمينه: إلى الجنة ولا أبالى، وقال للذى في كتفه (3) اليسرى: إلى النار ولا أبالى ".
وقال ابن أبى الدنيا: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا الحكم بن سنان، عن حوشب، عن الحسن قال: خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة
من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته (4) اليسرى، فألقوا على وجه الارض ; منهم الاعمى والاصم والمبتلى.
فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدى ؟ قال: يا آدم إنى أردت أن أشكر.
وهكذا روى عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة عن الحسن بنحوه.
__________
(1) ليست في ا (2) الحمم: الفحم (3) ا: كفه (4) ا: حضرنه (*)
وقد رواه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه فقال: حدثنا محمد بن إسحاق ابن خزيمة، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا صفوان بن عيسى، حدثنا الحارث ابن عبد الرحمن بن أبى ذباب، عن سعيد المقبرى، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس، فقال الحمد لله.
فحمد الله بإذن الله، فقال له ربه، يرحمك ربك يا آدم، اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملا منهم جلوس فسلم عليهم، فقال: السلام عليكم، فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله.
ثم رجع إلى ربه فقال هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم.
وقال الله ويداه مقبوضتان: اختر أيما شئت، فقال اخترت يمين ربى، وكلتا يدى ربى يمين مباركة، ثم بسطهما فإذا فيهما آدم وذريته، فقال: أي رب ما هؤلاء ؟ قال هؤلاء ذريتك، وإذا كل إنسان منهم مكتوب عمره بين عينيه، وإذا فيهم رجل أضوؤهم - أو من أضوئهم - لم يكتب له إلا أربعون سنة، قال: يا رب من هذا ؟ قال: هذا ابنك داود.
وقد كتب الله عمره أربعين سنة.
قال: أي رب زد في عمره، فقال: ذاك الذى كتب له، قال: فإنى قد جعلت له من عمرى ستين سنة، قال: أنت وذاك.
اسكن الجنة.
فسكن الجنة ما شاء الله ثم هبط منها، وكان آدم يعد لنفسه.
فأتاه ملك الموت فقال له آدم: قد عجلت، قد كتب لى ألف سنة.
قال: بلى، ولكنك جعلت لابنك داود منها ستين سنة، فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسى فنسيت ذريته، فيومئذ أمر بالكتاب والشهود " هذا لفظه.
وقد قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر،
عن همام بن منبه، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال اذهب فسلم على أولئك [ النفر (1) ] من الملائكة، فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا السلام عليك ورحمة الله.
فزادوه ورحمة الله.
فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ".
وهكذا رواه البخاري في كتاب الاستئذان (2)، عن يحيى بن جعفر، ومسلم، عن محمد بن رافع، كلاهما عن عبد الرزاق به.
وقال الامام أحمد: حدثنا روح، حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان طول آدم ستين ذراعا في سبع أذرع عرضا ".
انفرد به أحمد.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول من جحد آدم، إن أول من جحد آدم، إن أول من جحد آدم.
إن الله لما خلق آدم مسح ظهره، فأخرج منه ما هو ذارى إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذريته عليه، فرأى فيهم رجلا يزهر، قال:
أي رب من هذا ؟ قال: هذا ابنك داود، قال أي رب كم عمره.
قال: ستون عاما.
قال: أي رب زد في عمره.
قال: لا، إلا أن أزيده من عمرك، وكان
__________
(1) سقطت من الاصول وأثبتها من صحيح البخاري (2) صحيح البخاري 3 / 158 ط الاميرية (*)
عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاما.
فكتب الله عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة.
فلما احتضر آدم أتته الملائكة لقبضه، قال: إنه قد بقى من عمرى أربعون عاما، فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود قال: ما فعلت، وأبرز الله عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة.
وقال أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول من جحد آدم.
قالها ثلاث مرات.
إن الله عزوجل لما خلقه مسح ظهره فأخرج ذريته فعرضهم (1) عليه، فرأى فيهم رجلا يزهر، فقال أي رب زد في عمره.
قال: لا، إلا أن تزيده أنت من عمرك.
فزاده أربعين سنة من عمره.
فكتب الله تعالى عليه كتابا وأشهد عليه الملائكة.
فلما أراد أن يقبض روحه قال: إنه بقى من أجلى أربعون سنة، فقيل له: إنك قد جعلتها لابنك داود.
قال: فجحد، قال: فأخرج الله الكتاب، وأقام عليه البينة، فأتمها لداود مائة سنة، وأتم لآدم عمره ألف سنة.
تفرد به أحمد وعلى بن زيد، في حديثه نكارة.
ورواه الطبراني عن على بن عبد العزيز، عن حجاج بن منهال، عن حماد ابن سلمة، عن على بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس وغير
زواحد، عن الحسن قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول من جحد آدم ثلاثا " وذكره.
__________
(1) ا: فاعرضهم.
وهو تحريف (*)
وقال الامام مالك بن أنس في موطئه عن زيد بن أبى أنيسة، أن عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أخبره عن مسلم بن يسار الجهنى أن عمر ابن الخطاب سئل عن هذه الآية: " وإذا أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم ؟ قالوا بلى (1) " الآية، فقال عمر ابن الخطاب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها فقال: " إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون.
ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل المنار يعملون ".
فقال رجل: يارسول الله فقيم العمل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذ خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنة، وإذا خلق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار ".
وهكذا رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبى حاتم، وأبو حاتم ابن حبان في صحيحه من طرق، عن الامام مالك به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع عمر.
وكذا قال أبو حاتم وأبو زرعة، زاد أبو حاتم: وبينهما نعيم بن ربيعة.
وقد رواه أبو داود عن محمد بن مصفى، عن بقية، عن عمر بن جثعم، عن زيد بن أبى أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب،
__________
(3) سورة الاعراف 172 (*)
عن مسلم بن يسار، عن نعيم بن ربيعة، قال: كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الآية فذكر الحديث.
قال الحافظ الدارقطني: وقد تابع عمر بن جثعم أبو فروة بن يزيد بن سنان الرهاوى، عن زيد بن أبى أنيسة قال: وقولهما أولى بالصواب من قول مالك رحمه الله.
وهذه الاحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر، وقسمتهم قسمين: أهل اليمين وأهل الشمال، وقال: هؤلاء للجنة ولا أبالى، وهؤلاء للنار ولا أبالى.
فأما الاشهاد عليهم واستنطاقهم بالاقرار بالوحدانية، فلم يجئ في الاحاديث الثابتة.
وتفسير الآية التى في سورة الاعراف وحملها على هذا فيه نظر كما بيتناه هناك وذكرنا الاحاديث والآثار مستقصاة بأسانيدها وألفاظ متونها، فمن أراد تحريره فليراجعه ثم.
والله أعلم.
* * * فأما الحديث الذى رواه أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جرير - يعنى ابن حازم - عن كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلا قال: " ألست بربكم ؟ قالوا بلى، شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.
أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون " (1).
__________
(1) من سورة الاعراف 172، 173 " م 4 - قصص الانبياء 1 " (*)
فهو بإسناد جيد قوى على شرط مسلم، رواه النسائي وابن جرير والحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمد المروزى به.
وقال الحاكم: صحيح الاسناد ولم يخرجاه، إلا أنه اختلف فيه على كلثوم بن جبر فروى عنه مرفزوعا وموقوفا، وكذا روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا.
وهكذا رواه العوفى والوالبى والضحاك وأبو جمرة، عن ابن عباس قوله.
وهذا أكثر وأثبت والله أعلم.
وهكذا روى عن عبد الله بن عمر موقوفا ومرفوعا، والموقوف أصح.
* * * واستأنس القائلون بهذا القول - وهو أخذ الميثاق على الذرية وهم الجمهور - بما قال الامام أحمد: حدثنا حجاج، حدثنى شعبة، عن أبى عمران الجونى، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الارض من شئ أكنت مفتديا به ؟ قال: فيقول نعم.
فيقول قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بى شيئا، فأبيت إلا أن تشرك بى ".
أخرجاه من حديث شعبة به.
وقال أبو جعفر الرازي: عن الربيع بن أنس، عن أبى العالية، عن أبى بن كعب، في قوله تعالى: " وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم.." الآية والتى بعدها.
قال: فجمعهم له يومئذ جميعا ما هو كائن منه إلى يوم القيامة، فخلقهم ثم صورهم ثم استنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهد عليهم
أنفسهم: " ألست بربكم ؟ قالوا: بلى.." الآية.
قال: فإنى أشهد عليكم السموات السبع والارضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم، أن لا تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيرى ولا رب غيرى، ولا تشركوا بى شيئا، وإنى سأرسل إليكم رسلا ينذرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتابي.
قالزوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك.
فأقروا له يومئذ بالطاعة.
ورفع أباهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغنى والفقير، وحسن الصورة ودون ذلك، فقال: يا رب لو سويت بين عبادك ؟ فقال: إنى أحببت أن أشكر.
ورأى فيهم الانبياء مثل السرج عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، فهو الذى يقول الله تعالى: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم، ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم.
وأخذنا منهم ميثاقا غليظا " (1) وهو الذى يقول: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " (2) وفى ذلك قال: " هذا نذير من النذر الاولى " (3) وفى ذلك قال: " وما وجدنا لاكثرهم من عهد، وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين (4) ".
رواه الائمة: عبد الله بن أحمد وابن أبى حاتم وابن جرير وابن مردويه، في تفاسيرهم من طريق أبى جعفر، وروى عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير
__________
(1) سورة الاحزاب 8 (2) من سورة الروم 31 (3) من سورة النجم 57 (4) سورة (*)
والحسن البصري وقتادة والسدى، وغير واحد من علماء السلف بسياقات توافق هذه الاحاديث.
* * * وتقدم أنه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم، امتثلوا كلهم الامر الالهى، وامتنع إبليس من السجود له حسدا وعداوة له، فطرده الله وأبعده، وأخرجه من الحضرة الالهية، ونفاه عنها، وأهبطه إلى الارض طريدا ملعونا شيطانا رجيما.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ويعلى ومحمد ابنا (1) عبيد، قالوا حدثنا الاعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكى يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلى النار ".
ورواه مسلم من حديث وكيع وأبى معاوية عن الاعمش به.
ثم لما أسكن آدم الجنة التى أسكنها، سواء، أكانت في السماء أم (2) في الارض على ما تقدم من الخلاف فيه، أقام بها هو وزوجته حوا عليهما السلام، يأكلان منها رغدا حيث شاءا، فلما أكلا من الشجرة التى نهيا عنها، سلبا ما كانا فيه من اللباس وأهبطا إلى الارض.
وقد ذكرنا الاختلاف في مواضع هبوطه منها.
واختلفوا في مقدار مقامه في الجنة: فقيل بعض يوم من أيام الدنيا،
__________
(1) ا: حدثنا عبيد.
(2) ا: أو.
(*)
وقد قدمنا ما رواه مسلم عن أبى هريرة مرفوعا: " وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة " وتقدم أيضا حديثه عنه، وفيه - يعنى يوم الجمعة - خلق آدم، وفيه أخرج منها.
فإن كان اليوم الذى خلق فيه فيه أخرج - وقلنا إن الايام الستة كهذه الايام - فقد لبث بعض يوم من هذه، وفى هذا نظر.
وإن كان إخراجه في غير اليوم الذى خلق فيه، أو قلنا بأن تلك الايام مقدارها ستة آلاف سنة، كما تقدم عن ابن عباس ومجاهد والضحاك واختاره ابن جرير، فقد لبث هناك مدة طويلة.
قال ابن جرير: ومعلوم أنه خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة، والساعة منه ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فمكث مصورا طينا قبل أن ينفخ فيه الروح أربعين سنة، وأقام في الجنة قبل أن يهبط ثلاثا وأربعين سنة وأربعة أشهر، والله تعالى أعلم.
وقد روى عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن سوار خبر عطاء بن أبى رباح: أنه كان لما أهبط رجلاه في الارض ورأسه في السماء، فحطه الله إلى ستين ذراعا.
وقد روى عن ابن عباس نحوه.
وفى هذا نظر، لما تقدم من الحديث المتفق على صحته عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن " وهذا يقتضى أنه خلق كذلك لا أطول من ستين ذراعا، وأن ذريته لم يزالوا يتناقص خلقهم حتى الآن.
وذكر ابن جرير عن ابن عباس: إن الله قال: يا آدم إن لى حرما بحيال
عرشى، فانطلق فابن لى فيه بيتا، فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي، وأرسل الله له ملكا فعرفه مكانه وعلمه المناسك، وذكر أن موضع كل خطوة
خطاها آدم صارت قربة بعد ذلك.
وعنه: أن أول طعام أكله آدم في الارض، أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة، فقال: ماهذا ؟ قال: هذا من الشجرة التى نهيت عنها فأكلت منها فقال: وما أصنع بهذا ؟ قال: ابذره في الارض، فبذره.
وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف، فنبتت فحصده، ثم درسه ثم ذراه، ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه، فأكله بعد جهد عظيم وتعب ونكد، وذلك قوله تعالى: " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ".
وكان أول كسوتهما من شعر الضأن: جزاه ثم غزلاه، فنسج آدم له جبة، ولحواء درعا وخمارا.
واختلفوا: هل ولد لهما بالجنة شئ من الاولاد ؟ فقيل: لم يولد لهما إلا في الارض، وقيل بل ولد لهما فيها، فكان قابيل وأخته ممن ولدبها (1).
والله أعلم.
وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى، وأمر أن يزوج كل ابن أخت أخيه (2) التى ولدت معه، والآخر بالاخرى وهلم جرا، ولم يكن تحل أخت لاخيها الذى ولدت معه.
__________
(1) ا: من ولديها (2) المطبوعة: أخت أخته.
وهو تحريف.
(*) |